الصفحة الاولىصحيفة البعث

مخاوف من تدخلات فرنسية في الانتخابات الرئاسية التونسية

 

يعيش التونسيون على وقع الحملات الانتخابية للمرشحين للانتخابات الرئاسية، التي ستجري يوم 15 أيلول، بمشاركة 26 مرشّحاً ينتمون إلى أحزاب أو ائتلافات حزبية إضافة إلى مستقلين، وفي المقابل يحظى الاستحقاق الانتخابي كذلك بمتابعة من قبل دول إقليمية وأجنبية لها مصالح اقتصادية وسياسية في تونس تعود إلى عقود. ويتداول في تونس حديث في الكواليس عن الدعم الأجنبي الذي يحظى به عدد من المرشحين البارزين، وهو حديث لا يخرج عن طبيعة الصراع السياسي في البلاد منذ سنة 2011. وأثار قرار رئيس الحكومة المستقيل يوسف الشاهد في آب بالتخلي عن جنسيته الفرنسية جدلاً واسعاً، وأعاد الحديث بضرورة سن قانون يمنع صاحب الجنسية المزدوجة من الترشّح للمناصب العليا في البلاد، لكن قرار التخلّي عن الجنسية أعاد إلى الواجهة تصريحات تشير إلى العلاقات المثيرة للريبة بين السلطات الفرنسية والشاهد، ولكن الأخير دائماً ما ينفي التهم، ويزعم أن حصوله على الجنسية الفرنسية كان في إطار ظروف معينة، مشدّداً على ولائه لتونس. والشاهد اتهم كذلك بعلاقاته مع الولايات المتحدة الأميركية، وبأنه عمل في السفارة الأميركية في تونس قبل عام 2011، لكن رئيس الحكومة المستقيل يعتبر تلك التهم في إطار السجال السياسي المتعلّق بالانتخابات.
وتعرّض المرشّح الرئاسي، ورئيس الحكومة السابق، مهدي جمعة، لانتقادات واسعة بسبب علاقاته بشركة توتال الفرنسية، حيث اتهم بإبرام عقود طاقة مع الشركة الفرنسية بطريقة غير قانونية.
ووجّهت لمرشحين آخرين تهم الولاء للأجنبي، على غرار مرشح حركة النهضة عبدالفتاح مورو، الذي اتهم بحمله جنسية النظام السعودي، لكن مرشّح النهضة نفى الأمر، فيما يرى مراقبون في المقابل أن دعم مشيخة قطر لحركة النهضة الإخوانية مسألة أصبحت واضحة للعيان ولا يمكن نكرانها، فالأذرع الإعلامية للدوحة دائماً ما تروج لأفكار المتأسلمين المتطرفين، ناهيك عن الدعم المالي والسياسي. ويتفق متابعون على وجود تدخلات أجنبية، خاصة من أوروبا، وفي مقدمتها فرنسا، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي هو الشريك الاقتصادي الأول لتونس، كما قدّم دعماً مالياً واقتصادياً هاماً لها بعد عام 2011، بهدف فرض إملاءات سياسية، والسيطرة على القرار الوطني من الباب الاقتصادي.
وأكد المرشّح الرئاسي، الصافي سعيد، أن من بين التدخلات الأوروبية في تونس هو الصراع الفرنسي الإيطالي بخصوص قضية المرشّح الرئاسي الموقوف نبيل القروي، ودعا إلى حماية البلاد من تدخل السفارات الأجنبية، وذلك بحماية سيادة القرار الوطني.
وقد تجلّى هذا الصراع بتصريح للنائب الفرنسي من أصل مغربي، نجيب الغراب، الذي عبّر عن قلق فرنسا تجاه قرار إيقاف نبيل القروي، وأكد أنه التقى حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس الراحل، الذي دعا إلى تدخّل السلطات الفرنسية للضغط على حكومة الشاهد، وأضاف النائب الفرنسي: “اليوم دون محاكمة عادلة ودون احترام لقرينة البراءة نبيل القروي مسجون”.
وتدخّل الاتحاد الأوروبي بدوره في الملف، بدعوة السلطات التونسية إلى احترام مبدأ تكافؤ الفرص، وذلك بالسماح للقروي بالقيام بحملته، والظهور في المناظرات التلفزيونية.
وألقت السلطات التونسية القبض على نبيل القروي في تموز، وذلك بعد اتهامه بتبييض الأموال والتهرّب الضريبي، لكن القروي يقول: إنه مستهدف من قبل الشاهد لأسباب سياسية تتعلّق بالانتخابات الرئاسية.
ويرى مراقبون أنه من المواضيع التي تثير انزعاج الغرب، وخاصة باريس، هو الحديث المتواصل من قبل عدد من المرشحين الرئاسيين، على غرار الصافي سعيد ولطفي المرايحي وسيف الدين مخلوف وغيرهم، عن مسألة تأميم الثروات، خاصة النفط والغاز، إضافة إلى إنتاج الملح.
ورغم أن المرشحين اتهموا ببث خطاب شعبوي لكسب تأييد الناخبين بالحديث عن موارد النفط والغاز، لكن مراقبين يرون أن مثل هذا الخطاب من الممكن أن يزعج دولاً أجنبية تقوم بعمليات التنقيب على النفط واستغلاله في تونس دون رقابة.
وأثارت مداخلة المرشّح لطفي المرايحي في المناظرة التلفزيونية، التي أقيمت الأسبوع الماضي، جدلاً واسعاً، بعد استعانته بوثيقة تؤكّد استغلال فرنسا لموارد تونس الطبيعية عبر عقود تعود للفترة الاستعمارية.
وكانت المعارضة ومنظمات المجتمع المدني قد حذّرت في السابق من تدخلات أجنبية على ضوء ما بدر من السفير الفرنسي، الذي كان حاضراً تقريباً في العديد من المناسبات المغرقة في المحلية، ونشاطه المستمر في عدد من محافظات تونس، ولقائه عدداً من المرشحين، الذين زعموا أن اللقاء يندرج في إطار تبادل الرؤى ومعرفة وجهة النظر الفرنسية، الشريك الأول لتونس.
مرشّحون آخرون رفضوا مقابلة السفير الفرنسي، على غرار الهاشمي الحامدي، الذي انتقد تدخل السفير في الشأن الداخلي.
لكن الحامدي صاحب الجنسية البريطانية اتهم بدوره بحماية مصالح لندن في تونس. ورفض الحامدي التخلي عن جنسيته في لقاء مع قناة الزيتونة الأسبوع الماضي، قائلاً: إنه سيتخلّى عن الجنسية في حال وصل إلى منصب الرئاسة.