ثقافةصحيفة البعث

طفل سألني ما هي الحركة التصحيحية؟

تمّام علي بركات

يقول ستيفن هوبكنز: “عدو المعرفة ليس الجهل، ولكن وهم المعرفة”، هذا ما خطر ببالي وأنا أُفكر بمناسبة تحل علينا هذه الأيام في عيدها الـ “49″، ألا وهي الحركة التي وضعت سورية في حجمها وموقعها الصحيح، السبب في تذكري للقول، هو “وهم المعرفة”، فقد سمعت كثيرا عنها وفي كل عام نحتفل فيها، مما جعلني سنة بعد سنة اعتقد أني أعرفها، ولكني قررت التأمل في الموضوع، بعد سؤال توجه به لي ابني، “لماذا نحتفل في الحركة التصحيحية وما الذي حدث فيها؟”، وعندما بدأت الجواب، وجدت نفسي في موقف لا أُحسد عليه! خصوصا أن أطفال اليوم لديهم وسائل التواصل الاجتماعي وفيها يقرؤون ما هبّ ودبّ ومن كل حَدبْ.   بعد أن اجتزت الامتحان بصعوبة، وهي صعوبة ناجمة من اختلاف طفل اليوم عن طفل الأمس، قلتُ لنفسي أنا أيضا أريد أن أحصل على جواب، خاصة أني اكتب منذ فترة عن الدراما والأدب والشخصيات، أريد ان ادرس الحدث، وبطل القصة، فلم يكن أمامي إلا المنهج التاريخي، لأني اتناول حدثا تاريخيا، واتناول أيضا شخصية تاريخية.

وفق نظرية “الشجرة والثمار”، يجب دراسة الشخصية من الظروف التاريخية المُحيطة، ثلاث سنوات مرت على النكسة، وهي حرب كانت حصيلتها الهزيمة الساحقة وتلاشي المعنويات، وأيضا هناك البلاد التي لا تمتلك بنية تحتية، تؤهلها للنهوض، وجيش قليل العدد، قليل القطع العسكرية، ومنزوع المعنويات، وفوضى أحزاب في كل يوم تنقسم على نفسها، ورافدين يحتاجان إلى “سومر” و”بابل”، لترويض الهدير هناك؛ فمن ينهض بكل هذه الأعباء، بالتأكيد لن يكون شخصا عاديا، ولا بد أن يكون صاحب عزيمة فولاذية، وبصيرة تستطيع أن ترى تماما صعوبة تلك الظروف، وكيف يمكن التغلب عليها.

وضمن المنهج التاريخي أيضا ولكن هذه المرة، وفق نظرية “صعود أنواع الحدث التاريخي وأفولها”، فنرى أن هناك نوعا جديدا من التحرك بدأ في سورية، فحدثت تقوية جيش البلاد ودعمه، ومشاريع تعجز عنها الدول الكبرى، ويمتنع عن دعمها صندوق النقد الدولي، وإذا قَبِلَ فسوف يفرض شروطا هي في حقيقتها الوجه الآخر للاحتلال، ولكن فجأة بجهود وطنية ووتيرة متسارعة، كان أولها البدء بمدّ الكهرباء إلى الريف السوري، وثانيها ربط مدن وقرى سورية بطرقات تليق بها، وثالثها البدء بتشييد 50 ألف مدرسة ابتدائية تحتاج إليها الجغرافيا السوريّة، أما رابعها فهو تنظيم وادخار قمح سورية الأبيض ليومها الأسود، وخامسها مشاريع مالية لدولة عرفت اقدم الحضارات الزراعية، وسادسها الاهتمام بالتعليم الجامعي والمنشآت الرياضية، وفي الإنجاز السابع، كانت الحرب، التي سيفها الدمشقيّ المرصع بالذهب، كما وصفها “نزار قباني”، في قصيدته الخالدة التي مطلعها “أتراها تحبني ميسون”، ما كان  ليُشهر إلا بالاعتماد على ما سبق.

تبقى نظرية “صدفة ظهور الأشخاص”، والتي تعني أن التاريخ لا يتطور وفق قوانين محددة، وقد تستمر حقبة تاريخية، عشرات أو مئات حتى آلاف السنين، إلا إذا ظهر بالصدفة شخص وقام بإحداث تحول ما، النظرية تطرح سؤالا بسيطا وهو: ماذا لو لم يظهر نابليون في فرنسا؟ والاسكندر الكبير في مقدونيا؟ هل كانت ستقع الأحداث المرتبطة بكل منهما؟

في تقييم أهمية الإبداع، يقول الفيلسوف البراغماتي “وليم جيمس”: (لا تفعل الإنسانية شيئا إلا بمبادرات المبدعين، الذين يقلدهم البقية منا)، في ذكرى الحركة التي يمكن أن نسميها: “الإبداعية”، لأن كل تصحيح يحتاج إلى إبداع، نتذكر ذلك الراحل الكبير، والقائد الذي تصفه اغنية بديعة بـ: “يا نسر جناحك من بردى هالصافي”، لأننا اليوم في أمسّ الحاجة إلى استلهام معاني ذلك الإبداع، وتكرار فرصه الجديدة.