صحيفة البعثمحليات

استنفار صباحي؟!

 

قد يكون الإمعان في رمي أعباء الأزمة وتحدّياتها المختلفة على كاهل المؤسسات وإلقاء المسؤولية الكاملة على أكتاف الجهات المعنية فقط وإعفاء المواطن أو المجتمع الأهلي من أي تقصير، سبباً من أسباب زيادة المشكلات وعرقلة الكثير من الحلول وإفشال المعالجات، إلا أن ذلك لا يمنع من قراءة بعض الممارسات التي تتم داخل العمل الوظيفي وسلوكيات بعضهم وإسقاطها على يوميات الناس ومن ثم ترجمتها بالمقارنة مع أدائهم الوظيفي وأحوالهم المعيشية إلى أحكام ترتقي إلى درجة الأحكام القطعية غير القابلة للنقض.
والحقيقة التي لابد من قولها امتثالاً لمتطلبات مشروع الإصلاح الإداري, تؤكد أن استفحال التحدّيات في يوميات الناس والمعاناة الكبيرة التي تهدّد الاستقرار المجتمعي لا يكشف العيوب المتعددة في الأداء الوزاري فقط، بل يطرح قضية مهمة جداً تتعلق بحالة من التباين بين العمل الاستثنائي الذي تم تبنيه واعتماده رسمياً لتحقيق “رضا المواطن” وبين وقائع ومشاهد متناقضة مع ما هو مطلوب على صعيد المتابعة وملاحقة القضايا الملحّة والضاغطة على الواقع المعيشي، فعلى سبيل المثال مشهد دخول الوزراء إلى وزاراتهم يثير ألف سؤال وسؤال عن سبب تلك المظاهر البروتوكولية التي تستدعي استنفار عدد كبير من الموظفين بين مرافقين ومستخدمين وحماية وحتى عناصر شرطة المرور، أمام تلك الوزارات وبشكل استفزازي للشارع السوري الذي يرفض هذه المشاهد التي تخالف كل التوجيهات والإجراءات المتعلقة بضبطها وإلغائها نهائياً.
ولاشك أن استمرار هذه المشاهد في ظروف مصيرية يفرض تعاملاً قانونياً سليماً مع حالة يمكن إدراجها في خانة الإساءة للجهود الاستثنائية التي تبذل لترسيخ أبوة الدولة وتحقيق علاقة متوازنة بين الحقوق والواجبات، وهذا ما يمثل جوهر المهمة التي يجب أن يقوم بها الفريق الحكومي على أكمل وجه.
وبالطبع صعوبة الظروف وضخامة التحدّيات قد تبرّر الضعف الموجود في بعض المواقع والمفاصل الوزارية وهذا ما يتقبّله الشارع، ولكن في الوقت ذاته، هناك العديد من الوقائع الوظيفية التي أيقظت الكثير من الإشارات الاستفهامية الباحثة عن الناتج الحقيقي لأكوام الخطط الورقية التي تذهب أدراج الرياح دون أن يُعرف مصير الأرقام المصروفة من خلالها لتحسين الواقع الناضح بالكثير من المنغّصات، وبدلاً من المكاشفة والمصارحة الهادفة إلى تعزيز الثقة مع المواطن نجد أن التمادي على المصلحة العامة هو السائد والمعمول به، وذلك بمساعدة تلك القرارات التي تحاسب كل من يتناول العمل الحكومي بالنقد أو المقاربة الكاشفة عن تقصيره وعجزه تحت بند الإساءة للعمل الحكومي وتعميم حالة الوهن المجتمعي.
ومن الواضح أن الحالات التي نتكلم عن أنها تثير “عراضة” الاستقبال الصباحي للمسؤولين فيها عشرات التساؤلات عن آليات العمل في القطاعات وصحة التوجهات والحصيلة النهائية للإنجازات التي نؤكد أن البحث عنها سيكون أشبه بعملية البحث عن “إبرة في كومة قش”.
إن تراكم الأخطاء في سجلات العمل الوظيفي بأعلى مستوياته قد يحول دون القيام بخطوات عاجلة تحقق نتائج سريعة يلمسها المواطن، وخاصة عندما تخمد فعالية المحاسبة والمساءلة التي توجه دائماً نحو الحلقة الأضعف وتغيب تماماً عن منظومة العمل والقرار التي رجّحت كفة البروتوكولات على كفة الواجبات والمهام؟.
بشير فرزان