أخبارصحيفة البعث

عالم ما بعد كورونا

 

إلى وقت قريب جداً كانت الاصطفافات والتحالفات الدولية تراوح مكانها مع سعي الولايات المتحدة الأمريكية لتأكيد زعامتها على العالم من خلال استغلال عصا العقوبات الغليظ في مواجهة أي دولة تريد أن تقف في طريقها، سواء أكانت عدوة أم حليفة، إلى أن جاء فيروس كورونا المستجد الذي تمكّن في فترة لا تتجاوز الأربعة أشهر من كسر الكثير من المسلّمات التي كانت سائدة لعقود من الزمن، فهل نحن على أعتاب عالم جديد ما بعد القضاء على كورونا، وكيف ستكون خارطة التحالفات السياسية الدولية، هل ستبقى الدول متمرّسة في خنادقها التقليدية، أم أننا مقبلون على مرحلة جديدة من التغيير، وهل تُعقد في ووهان الصينية يالطا جديدة؟، أم أن الوقت مازال مبكراً للحديث عن التغيير في العالم، فربما ما نزال في مرحلة المخاض لا أكثر؟.

لاشك أن العالم قبل انتشار وباء كورونا يختلف كلياً عمّا بعده، فالوقائع المسجّلة لغاية اليوم، تؤكّد الكثير من المعطيات والدلائل على غروب شمس الكثير من الدول التي كانت تعتبر نفسها إلى وقت قريب جداً بمنزلة ممنوع المساس بها، أو حتى التفكير بإزاحتها من المشهد العالمي، لا لشيء، إلا لأن التقسيم الأخير للعالم الذي أفرزته يالطا بعد الحرب العالمية الثانية صنّفها بين الدول الكبرى، وبالتالي ومع ما كشفه كورونا من ضعف ووهن في تلك الدول، وعدم قدرتها التعاطي مع التهديد الحاصل، تارة من باب المكابرة والاستهتار وعدم الاعتراف، وتارة من باب هشاشة أنظمتها الصحية وترهّلها، يتحتّم عليها أن تُسلّم بأن الزمن تغيّر، ويجب أن تتنحى جانباً، فالزمن كما كانوا يرددون دائماً للأقوى، وهم اليوم ليسوا الأقوى، بل الأضعف.

فالأقوى، من منظور كورونا، هي للدول التي رغم كل التهويل الذي مورس عليها منذ انتشار الوباء، بأنها غير قادرة ولا تستطيع، وأنها سبب فناء البشرية، وباتت تنعت بمنبت “الفيروس الصيني”، استطاعت أن تحوّل المحنة إلى انتصار، والحلم إلى حقيقة، وأن تعيد الأمل إلى العالم بأسره، وتؤكّد بأن تجاوز الوباء ممكن إذا دافعت الدول عن شعوبها أولاً وعن إنسانيتها ثانياً، وليس عن المصالح الضيّقة والأحلام المجنونة، كما فعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعلن صراحة إنه يريد أن يكون لقاح كورونا لأمريكا فقط دون غيرها.

إن الانتصار الذي حققته الصين على وباء كورونا المستجد، والقدرات التكنولوجية والصحية الهائلة التي كشفت عنه، والأداء الرفيع في احتواء الأزمة، ومد يد العون لمساعدة كل دول العالم لإنقاذها من الوباء من دون فيتو على هذه الدولة أو تلك، لا يقل عن الانتصار العسكري الذي حققه الحلفاء في الحرب العالمية الثانية على النازية، والذي أجلسهم لاحقاً مع الاتحاد السوفييتي ليتقاسموا النفوذ في العالم، وبالتالي ما أن تتمكن دول العالم من محاصرة الوباء الخطير، والقضاء عليه، فإن المنتصرين مدعوون للجلوس إلى طاولة على غرار طاولة يالطا ليبحثوا في الأسس والقواعد التي سيكون عليها العالم بعد كورونا، فالاستمرار على الوضع الحالي سيكون غير ممكن وغير مقبول، فالدول لن تسلّم بأن تبقى أمريكا تتزعم العالم، وهي ترى قادتها يسعون لأن تكون دولتهم محصّنة من أي تهديد، بينما العالم يئن تحت وطأة الكوارث.

سنان حسن