دراساتصحيفة البعث

كبش الفداء

إعداد: سمر سامي السمارة

في محاولة لتجنب الإخفاقات الذاتية التي جعلت أعداد ضحايا فيروس كورونا في الولايات المتحدة تتجاوز كل الدول الأخرى، قررت الإدارة الأمريكية إلقاء اللوم على طرف آخر.

بداية حاول ترامب إلقاء اللوم على منظمة الصحة العالمية، مدعياً أنها لم تقدم كافة المعلومات، لكن 16 مسؤولاً في الإدارة الأمريكية ممن يرتبطون ارتباطاً وثيقاً مع المنظمة في جنيف كانوا ينقلون آخر المستجدات في الوقت الحقيقي لكافة المعلومات التي تصل إلى منظمة الصحة العالمية.

ونظراً لعدم انضمام الديمقراطيين وبعض وسائل الإعلام لقرار ترامب في إلقاء اللوم على المنظمة، كان لابد من البحث عن كبش فداء آخر، لذا اتفق الجميع على أن الصين ستكون الهدف الأنسب.

بطبيعة الحال، تذكرنا الحملة الحالية المناهضة للصين بالحملة التي مهدت للحرب على العراق، فمن يدعون الآن أن “كذب الصين أدى لموت الناس” هم أنفسهم الذين أداروا حملة أسلحة الدمار الشامل في العراق، وتبيّن بعد ذلك أن كافة التقارير التي تدعي وجود أسلحة دمار شامل في العراق كانت مجرد افتراء وكذب، واليوم يعيد التاريخ نفسه في الادعاء المماثل حول الصين.

بطبيعة الحال مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، يحاول كل حزب تشويه صورة الآخر وربطه بالشرير الجديد، إذ قال مؤسس أمريكان بردج “برادلي بيشوك” في بيان: أرسل ترامب لوازم طبية حيوية للصين، في الوقت الذي يعاني فيه الأمريكيون، بدافع متابعة شعاره المفترض “أمريكا أولاً”، وأضاف: لكننا نتأكد من أن الناخبين في جميع أنحاء ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن يعرفون تمام المعرفة عدم أهلية ترامب الذي أخفق في الاستجابة لهذه الأزمة.

وقال “بريان والش”: يسعدنا جداً السماح للأمريكيين لتحديد بمن يثقون: الرئيس ترامب أو جو بايدن، باتخاذ موقف صارم بشأن الصين، وقالت مجموعة “أمريكان بريدج”: إن الإعلان هو الأول في حملتها الهجومية الجديدة التي تستهدف ترامب وشركته وشركاءه التجاريين واستثماراته الأجنبية. وأضافت المجموعة بأنها تعتزم طرح إعلانات رقمية دقيقة حول هذا الموضوع كجزء من “هجوم شامل على ترامب وعائلته إزاء فسادهم- في الصين وبلدان أخرى– والذي ينطوي على دفع رشاوى لموظفين أجانب، والحصول على الامتيازات السياسية والاستثمارات العقارية المشبوهة”، الأمر الذي سوف ينعكس سلباً على قضايا سياسية هامة أخرى، إذ سيتخلص الصقور المناهضون للصين من الارتفاع التدريجي للرعاية الصحية الشاملة، ويلغون ديون الطلاب، حيث سيؤدي هذا الخطر الجديد إلى زيادة الإنفاق العسكري، والمزيد من الحروب. يريد بعض المشرعين السماح لأشخاص عشوائيين بمقاضاة الصين بسبب “الضرر الذي تسببت به” كما يدعون، ويسعى آخرون لمقاضاتها بتهمة التخلف عن سداد 1.2 تريليون دولار من ديون الولايات المتحدة للصين. ولإلقاء اللوم على الصين، يتهمها الصقور بعدم تقديم معلومات كافية، وإيجاد أو نشر الفيروس عن طريق الصدفة، في الواقع، لم يكن “سوق المنتجات الطازجة” في ووهان يعاني من مشاكل في النظافة، ويمكن مقارنة “سوق المنتجات الطازجة” بسوق المزارعين، إنه “طازج”، ولذلك يوفر منتجات طازجة مثل الفواكه والخضروات واللحوم والأسماك، ويوفر “سوق السلع الجافة” المنتجات التكميلية مثل الأرز والدقيق والشاي والسكر، ويحصل حوالي 40٪ من الصينيين على طعامهم اليومي في أسواق المنتجات الطازجة.لم يكن سوق المنتجات الطازجة في ووهان مصدر الوباء، فقد بدأ الوباء أصلاً في كانون الأول الماضي، في وقت تكون فيه الخفافيش بسبات شتوي، وتدعي الولايات المتحدة أن الصين لم تقدم معلومات كافية، لكن الجدول الزمني الذي نشرته الصين وأكدته تقارير وسائل الإعلام لا يدعم هذا الادعاء.في الثالث من كانون الثاني الماضي، أبلغ رئيس المركز الصيني لمكافحة الأمراض نظيره الأمريكي شخصياً بأن هناك تفشياً مجهول الأسباب لوباء الالتهاب الرئوي في ووهان، وفي الثامن من كانون الثاني تم تحديد “السبب المجهول” على أنه فيروس تاجي مستجد، تم نشر تسلسل الجينوم الكامل للفيروس في 12 كانون الثاني، وتم تطوير أدوات الاختبار الأولية، وإتاحتها في ووهان، وفي اليوم التالي، تم تطوير بروتوكول الاختبار، واختبار آخر في ألمانيا، وفي 17 كانون الثاني، اعتمدت منظمة الصحة العالمية صيغته المنقحة.في الولايات المتحدة، أصر مركز مكافحة الأمراض على تطوير اختباره الخاص، لكنه فشل بسبب تلوث أحد مكونات الاختبار، ثم فشل لأكثر من شهر في تصحيح المشكلة، كما أن مزاعم أخرى طالت الصين باتهامها بتصنيع الفيروس أو تهريبه من مختبر في ووهان، لكن العلماء قدموا أدلة قاطعة على أن الفيروس التاجي الجديد تطور طبيعياً، ولا يعتقدون أنه تسرب من مختبر في ووهان.من جهته، قال البروفيسور “ادوارد هولمز” من جامعة سيدني: إن معمل ووهان الذي يلقي البعض اللوم عليه بسبب الوباء يحتوي على عينات من فيروس الخفافيش، وهو أقرب سلف لـ كوفيد-19، مصدر سارس كوف -2– إلا أن الاثنين ليسا مرتبطين وراثياً، ويقول: إن سلالات فيروس الخفافيش المسمى “”RaTG13 من مقاطعة يونان بجنوب الصين، وليست من مدينة ووهان المركز الرئيسي للوباء.وكشف تتبع الجينوم أن فيروس الخفاش “RaTG13” لديه ما لا يقل عن 20 عاماً من الاختلاف الجيني، أو التغييرات التطورية من سارس كوف -2– ، وربما يصل إلى 50 عاماً، مستبعداً كمصدر للوباء، الأمر الذي يؤكد أن الادعاءات التي قدمها الحزبان ضد الصين ليس لها أساس من الصحة.