ثقافةصحيفة البعث

يا ذات الشعر الطويل..

لنتخيل أميرة الحكاية الجميلة تقبع في برجها سجينة لظرفها المعهود عبر تعاقب العصور.. الرغبة في الحصول على الكنز والحب والإكسير الصعب المنال، والمخبأ ها هنا في ما ينتهي إليه شعرها الطويل، غرفة مليئة بالأسرار والعجائب وأحلى ما في تلك النفائس هو إنقاذ الأميرة الجميلة نفسها.

بين القصة الحقيقية المأخوذة من حكاية القديسة باربرا ابنة التاجر الروماني الغني في القرن الثالث والتي تتحدث عن تمرد الابنة الجميلة على سلطة والدها، ومحاولتها الخروج عن طاعته والنزول من سجنها العالي للخروج عن وثنية روما واعتناق المسيحية، والنهاية المأساوية التي آلت لها نهايتها بإمساكها من شعرها وقطع رأسها، أو كما في نسخة الأخوين غريم الأصلية عن قيام الأمير بإغواء الأميرة بدلاً من إنقاذها.

كان هناك تخوف كبير من الفشل في نقل هذه الحكاية إلى ذائقة الأطفال واليافعين بطريقة جاذبة ممتعة لا سوداوية فيها، وتم القيام بعدة محاولات هنا وهناك حتى تفتقت أذهان كتاب القصة وحائكو الحكايات عن توريات جميلة وتحويرات متقنة من روح الحكاية ولكن بمتن وصياغات مغايرة للقصة الأصلية، ولعل أميزها ماتمت ترجمته إلى رسوم متحركة انتهت عند فيلم شركة والت ديزني، النسخة الأخيرة والحديثة لهذه الحكاية الشائقة الشائكة، فكانت (روبانزل) التي خلبت لب الصغيرات والصغار لتحتل مرتبة متقدمة من أميرات ديزني والقصص التي لا نملّ من متابعتها مهما تكرر عرضها أمامنا كل حين.

الشاهد في هذا الطرح أن قصة سوداوية المتن والنهاية تتحدث عن قتل فتاة بريئة، تحولت إلى قصة تتكلم عن أميرة جميلة سجينة تدلي شعرها لمن يريد الصعود لبرجها المغلق والمحكم من كل الأطراف، ثم ينداح عقد الجواهر المحيط بعنق القصة، فنركض ونلهث وراء جواهر الصياغة في مغامرتها تلك، حتى تتوج أميرة في مملكة والديها وعلى قلب فارسها النبيل. ما يوحي بأن هناك عملية متقنة من صناعة الجمال، والبحث عن مفردات فيها من الحب والتلطف لصبّها في ذائقة اليافعين، ما يطرَبُ له كل متتبع محبّ وشغوف بالقصص النبيلة.

وما دفعني لمقاربة هذا المثال هو ما يقوم به بعض كتّاب الأطفال لدينا من تجارب بائسة لتقليد أعمى متعثر الخطى لقصص عالمية أو شعبية مشهورة، فتراهم يكسرون الحبكة لمجرد الهرب من منظار المتلقي كي لا يكشف سرقاتهم ونقلهم الجبان عن الأصل، فيصبحون عرضة لضياع بوصلة الحكاية، فلا المقدمة مقدمتهم ولا الخاتمة لهم، يصبح وليدهم كالخليق المشوّه لا تظهر له ملامح شكل فني أو أدبي واضح… وإذا سحبنا المحور نفسه لشأن اللوحة الطفلية في قصص أطفالنا فلنا الحق أن نسأل السؤال الكبير في هذا الموضوع.

– ما الذي يدفع كاتبا أو فنانا للأطفال – أو دعيّا لهذا الفن – ليقوم بأعمال من شأنها أن تُلحق بصمة عارٍ به وبقلمه وريشته ورحلته الأدبية والفنية مع الثقافة الطفلية؟ لماذا نلجأ للاقتباس الصريح وسلب حبكات وأفكار لنصوص ليست لنا والاختباء وراء تعب الغير؟ ألهذه الدرجة من ضعف الإمكانات باتت حالة الوسط الثقافي المتوجه للأطفال في سورية.. ندرة في مبدعينا وندرة في فنانينا وهذه الندرة في الأصل هي نتاج تجارب فردية تعبت على نفسها وضربت أبطان الإبل لتصل إلى ما وصلت إليه من تميز وتفرد.

لماذا لا يتشكل وعي جمعيّ عن أهمية ثقافة الطفل، يدفع به المجتمعُ المسؤولينَ والقائمين على ثقافة أطفالنا لكي يبتكروا حلولاً ناجعة وحقيقية، لإنتاج وصناعة وخلق ثقافة سورية حقيقية لأطفالنا. وإنتاج وصناعة وخلق جيل شاب قادر على القيام بمهام عجزت الحركة الثقافية وممثلوها -لسنوات كثيرة مرت من حلقة سورية الحضارية- أن تصنع لها مكانتها اللائقة على خارطة أدب الطفل وفنه.

وإذا اختصرنا جملة “إنتاج وصناعة وخلق ثقافة أطفالنا” لمسمى “صناعة الأمل”، فإنه يليق بها وبأطفالها أن تكون سورية رقم (1) في صناعة الأمل على الخارطة العالمية.

رامز حاج حسين