دراساتصحيفة البعث

الولايات المتحدة “دولة فاشلة”..

 عناية ناصر

لم يكن أحد يتصوّر أن تصف وسائل الإعلام الولايات المتحدة الأمريكية بأنها “دولة فاشلة”، فهذا المصطلح يُستخدم لوصف خصوم أمريكا مثل إيران والعراق. منذ عام 2005 بدأ صندوق “الفكر الأمريكي من أجل السلام” بإعداد تقارير سنوية تحت مسمّى “مؤشر الدول الفاشلة” بالاشتراك مع مجلة فورين بوليسي، لكن الأمر لم يستغرق طويلاً حتى تمّ إدخال الولايات المتحدة إلى هذا المؤشر.

حتى عالم السياسة الأمريكي فرانسيس فوكوياما، الذي اعتقد أن التاريخ سينتهي بالديمقراطية الليبرالية كشكل نهائي للحكومات في جميع البلدان، غيّر رأيه بعد ذلك، إذ كتب في مقال له عام 2016 بعنوان “أمريكا.. الدولة الفاشلة” أن على الولايات المتحدة أن تتخلّى كلياً عن القيادة العالمية. وفي مقال آخر قال الصحفي والكاتب جورج باكر نشرته مجلة “ذا أتلانتك”: “نحن نعيش في دولة فاشلة، إن الفيروس التاجي جعل الولايات المتحدة دولة متسولة وفي حالة من الفوضى المطلقة، وأنه مثلما كانت فرنسا في عام 1940، فإن أمريكا في عام 2020 لديها زعيم بائس يقودها إلى انهيار أكبر وأعمق”.

على الطرف الآخر، لم يسعد الكثير من الصينيين المعجبين بالولايات المتحدة وهم يشهدون هذا التراجع للولايات المتحدة. تقول المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشونينغ في تغريدة لها على تويتر: “إن الصين قدّمت للولايات المتحدة وحتى 20 نيسان الماضي أكثر من 2.46 مليار كمامة، وهذا يعني سبعة أقنعة لكل شخص في أمريكا، إضافة إلى ما يقرب من 5000 جهاز تنفس وأنواع أخرى من المعدات الطبية”.

هذا يعني أنه على الصين أن تتعلّم الدرس من الولايات المتحدة، وأن تدرك لماذا فشلت الدولة العظمى في حماية شعبها، وغرقت بالفساد والانقسام الاجتماعي الذي لا مثيل له. كما على الصين أن تكون حذرة من السياسات الأمريكية الراديكالية، بما في ذلك جعل الصين كبش فداء لإخفاقاتها، إذ يفيد موقع بوليتيكو الإخباري أن اللجنة الوطنية لأعضاء  الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ أرسلت إلى حملات الحزب الجمهوري مذكرة تفصيلية من 57 صفحة كتبها كاتب استراتيجي بارز نصح فيها مرشحي الحزب الجمهوري بمعالجة أزمة الفيروس التاجي من خلال مهاجمة الصين بقوة، وبحسب بوليتيكو، أشار الجمهوريون إلى أنهم يخطّطون لجعل الصين محوراً لحملة 2020 لتحميل الصين مسؤولية فشل الولايات المتحدة.

إن سياسات ترامب الراديكالية تضرّ فعلياً بالولايات المتحدة، فـعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، دمرت إدارة ترامب تقريباً أساس النظام الدولي القائم منذ نهاية الحرب الباردة. لقد انسحبت من الشراكة عبر المحيط الهادئ، واتفاقية باريس للمناخ، ومجلس حقوق الإنسان، ومعاهدة القوى النووية المتوسطة المدى، والعديد من المعاهدات والمنظمات الدولية الأخرى.

وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، ضاعفت إدارة ترامب الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي من خلال تدابير تشمل التسهيل الكمي وسياسات التحفيز القوية، مما جعل الدولار الأمريكي العامل الأكثر في عدم استقرار النظام النقدي العالمي، وهو ما يعرّض الأصول العالمية الآن لخطر الانهيار أو الارتفاع المفاجئ في أي وقت.

وعلى مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، صعّدت إدارة ترامب حرب أسعار النفط العالمية، مما تسبّب في انهيار الأسعار للعقود الآجلة. ولأول مرة في التاريخ، تمّ تداول النفط الخام بأسعار ثابتة في 20 نيسان، مما عكر صفو سوق الطاقة العالمية، وجعل الولايات المتحدة تنسحب من النظام الدولي للطاقة الذي تهيمن عليه أو الذي حافظت عليه لمدة نصف قرن. يتساءل العديد من الناس كيف يمكن للنظام الأمريكي أن يتسامح مع مثل هذا الشخص كرئيس، لقد سقطت منارة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان التي طالما ادّعت الولايات المتحدة الالتزام بها.

إن الإدارة الأمريكية الحالية، التي لا تشعر معظم النخب الأمريكية بالرضا عنها، لا تضرّ نفسها فقط، بل إنها تريد إيذاء الصين أيضاً، ومحاولة الولايات المتحدة جعل الصين كبش فداء يجعلها في موقف لا أخلاقي يقوم على ابتزاز الآخرين، حتى إن محاولة تمرير قانون يطالب الصين بتقديم تعويضات عن خسائر فيروس كورونا هو بمثابة اعتداء، كما أنه شبيه بالطفل الشقي الذي يحصل على درجات منخفضة في الامتحان ويلقي باللوم على الآخرين في تقصيره، بل إنه يحاول منعهم من اجتياز الامتحان بنجاح.

الصين لن تسقط في لعبة إلقاء اللوم التي تقوم بها الولايات المتحدة، ولن تصبح سلعة تتاجر بها الولايات المتحدة التي تتجه نحو الانحدار، فمفتاح النجاح لا يزال بيد الصين التي تبدو واثقة من أنها تؤدي الدور جيداً، لا في احتواء الفيروس فحسب، بل أيضاً في استئناف نشاطاتها الاقتصادية.