دراساتصحيفة البعث

نكبة فلسطين.. فاجعة ألمّت بالعرب.. والمقاومة مستمرة

  د. معن منيف سليمان

تعدّ نكبة فلسطين عام 1948، من الأحداث الجسام والمفجعة التي لا تزال ماثلة في الوعي العربي والفلسطيني بشكل خاص، فالفلسطينيون يواصلون المقاومة والصمود والعيش في ظل نتائجها التي شملت التطهير العرقي والهجرة القسرية، والقتل والإبادة الجماعية والتدمير وتهويد المدن والأماكن المقدسة منذ ذلك العام إلى اليوم.

ففي يوم  15 أيار عام 1948، أي بعد يوم من انتهاء الانتداب البريطاني رسمياً عن فلسطين، أعلن المجلس القومي اليهودي عن إقامة ما يسمى “إسرائيل”، وعن عمل المجلس كحكومة مؤقتة برئاسة الإرهابي “ديفيد بن غوريون”، فكان ذلك اليوم المشؤوم نكبة وفاجعة حقيقية ألمت بالعرب الذين يحيون ذكراها كل عام لشحذ الذاكرة العربية، وتسليط الضوء على جريمة بحق الإنسانية طالما سعى العدو الصهيوني إلى إخفائها والتعتيم عليها طيلة العقود السالفة.

لقد نجمت عن تأسيس الكيان الإرهابي الصهيوني في فلسطين مذابح ارتكبت بحق المواطنين الفلسطينيين أصحاب الأرض الحقيقيين، فعشية احتلال فلسطين قامت العصابات الصهيونية بعدد كبير من المذابح والمجازر في سبيل إقامة الكيان الإرهابي، وترويع الفلسطينيين ودفعهم لترك أراضيهم وممتلكاتهم حتى يتسنى للصهاينة الاستيلاء عليها، ومن المجازر التي ارتكبت عشية احتلال فلسطين عام 1948 يذكر على سبيل المثال لا الحصر: مذبحة منصورات الخياط 18 كانون الثاني، مذبحة قيصارية 15 شباط، مذبحة خربة ناصر الدين 12 نيسان، مذبحة حوشا 15 نيسان، مذبحة الوعرة السودا 18 نيسان، مذبحة صيفا 21 نيسان، مذبحة الحوسينية 21 نيسان، مذبحة بلد الشيخ 25 نيسان، مذبحة عين الزيتون 12 أيار، مذبحة الطنطورة 21 أيار، مذبحة قزازة 9 تموز، مذبحة ليدا 10 تموز، مذبحة أسدود 28 تشرين الأول، مذبحة الدوايمة 29 تشرين الأول، مذبحة عيلبون  29 تشرين الأول، مذبحة الجش 29 تشرين الأول، مذبحة الكروم 29 تشرين الأول، مذبحة صفصف 29 تشرين الأول، مذبحة العباسية 4 أيار، مذبحة بيت دارس 11 أيار، مذبحة البرير 12 أيار، مذبحة أبو شوشة 14 أيار، مذبحة الكبرى 21 أيار، مذبحة عرب السمنية 30 تشرين الأول، مذبحة صليحة 30 تشرين الأول، مذبحة سعسع 30 تشرين الأول، مذبحة الخيصاص 18 كانون الأول.

وبالطبع لا يمكن نسيان مذبحة دير ياسين في نيسان عام 1948، التي تمثلت فيها عقلية القتل والإبادة الجماعية المتأصلة في الصهيونية، فكراً وممارسة، في أبشع صورها، وقد قدر عدد الفلسطينيين الذين اضطروا للنزوح عن ديارهم لدى إعلان النكبة نحو سبعمئة وستين ألف فلسطيني وصل عددهم إلى أكثر من ستة ملايين لاجئ، بينهم نحو مليون وخمسة وثمانين ألفاً في الأردن، ونحو مليون ومئتين وخمسين ألفاً  في قطاع غزة، ونحو سبعمئة واثنين وعشرين ألف لاجئ في الضفة الغربية، ونحو أربعمئة واثنين وعشرين ألفاً في سورية، ونحو أربعمئة وثمانية آلاف في لبنان، وهم يقيمون في خمسة وتسعين مخيماً للاجئين، لتصبح قضية اللاجئين قطب الرحى لقضية فلسطين.

وعلى الرغم من سلسلة الجرائم وعمليات الطرد والتهجير التي مارسها الكيان الإرهابي، فإن هذا الكيان لا يكتم ضيقه من بقاء نحو مئة وستين ألف فلسطيني في وطنهم، فعمل كل شيء في سبيل استئناف عمليات الطرد والتهجير، وارتكب المجازر، فكانت مجزرة كفر قاسم في 29 تشرين الأول عام 1956، ثم كانت هناك مجزرة قبية في الخمسينيات، والسموع في الستينيات، وقرى الجليل في عام 1976، ووادي عارة عام 2000، ومخيم جنين عام 2002، وغزة أواخر عام 2008 وبداية عام 2009، بالإضافة إلى  أعمال القتل والتدمير الكثيرة التي لا نهاية لها.

وفي سياق فرض الطابع الذي يسمى يهودياً على المدن والأماكن العربية المقدسة فيما يعرف بـ “التهويد” بهدف طمس معالمه الإسلامية والمسيحية ثم ضمها إلى قائمة ما يسمى “المواقع التراثية اليهودية”، أصدرت حكومة الكيان الإرهابي قراراً جائراً في 21/2/2010، يقضي بضم الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل، ومسجد بلال في بيت لحم إلى قائمة ما يسمى “الأماكن التراثية اليهودية” كمدخل للسيطرة على الحرم الإبراهيمي الشريف وتحويله إلى كنيس يهودي، وتهويد بلدة الخليل القديمة وتحويلها إلى حي يهودي إمعاناً في سياسة تهجير الفلسطينيين العرب من أرضهم وديارهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم منذ أكثر من خمسة آلاف عام.

وتأتي في مقدمة القضايا العالقة منذ النكبة  قضية عرب 1948 وسياسة التطهير العرقي والعنصرية التي يمارسها الكيان الإرهابي بحق الفلسطينيين الذين بقوا في ديارهم ولم يبرحوها، والذين يقدر عددهم بنحو مليون وثلاثمئة ألف فلسطيني، وهذا يشكل نسبة عشرين بالمئة من سكان “إسرائيل” وهم يتوزعون على مناطق الجليل الأعلى والأدنى: في الناصية وسخنين وعرابة وأم الفحم ودير حنا، وفي المنطقة الساحلية: في عكا وحيفا ويافا واللد والرملة، وفي منطقة النقب، حيث يعاني هؤلاء الفلسطينيون أبشع أنواع التمييز العنصري.

فعلى الرغم من فرض ما يسمى “الجنسية الإسرائيلية” عليهم، إلا أنهم يدركون أنه ينظر إليهم كمشكلة بالنسبة للكيان الإرهابي، فمن اليسار إلى أقصى اليمين الصهيوني هناك إجماع على التخلص من عرب 1948، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد من التمييز العنصري، فقد تصاعدت وتيرة التطرف إلى حد بعيد بحيث وصل إلى المطالبة بترحيلهم وطردهم من ديارهم إمعاناً في سياسة التطهير العرقي التي ينتهجها الكيان الإرهابي في سبيل تحقيق فكرة يهودية “إسرائيل”، وهي دعوات ما زال يردّدها إرهابيو هذا الكيان أمثال: “ليبرمان”، و”نتنياهو”، و”ليفي”، ولكن أخطر هذه الدعوات أن يتبادل الصهاينة والسلطة الفلسطينية الأراضي فيما بينهم فتضم “إسرائيل” التجمعات الاستيطانية الكبرى في القدس وما حولها في الضفة الغربية، في حين تعطى للسلطة الفلسطينية أرض في صحراء النقب وبعض القرى والبلدات ذات الكثافة الفلسطينية ومعظمها يقع في شمال مدينة جنين بهدف التخلص من الكثافة الفلسطينية في “إسرائيل”.

وفي هذا الإطار من التفكير العنصري تسعى الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى ترحيل عرب 1948، من ديارهم، ذلك أن الزيادة الديمغرافية لهؤلاء باتت تشكل هاجساً للصهاينة الذين لم يخفوا قلقهم من خطورة هذه الزيادة على مستقبل كيانهم، ولذلك يسعى هؤلاء ليس إلى طرد عرب 1948 فحسب، وإنما إلى طرد أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة لتحقيق الأهداف الصهيونية العنصرية بـ”إسرائيل” يهودية خالية من أي وجود عربي فيها.

ولكن على الرغم من ذلك كله، فإن عرب فلسطين ما زالوا يواصلون صمودهم، ولم يستطع الكيان الإرهابي الصهيوني منذ سنوات طويلة حفلت بممارسة القتل والإبادة الجماعية والتطهير العرقي والعنصرية وغيرها من الأساليب الإجرامية البشعة التي تتنافى مع حقوق الإنسان والقوانين الدولية، اقتلاع مقاومتهم للاحتلال الصهيوني، فالمقاومة مستمرة منذ عقود والانتصارات متتالية. كل ذلك قضى على أسطورة الجيش الذي لا يقهر، ومعها بدأ العد التنازلي للمشروع الصهيوني الذي سيسقط بفعل صمود المقاومة، وعوامل التاريخ وقوانينه الموضوعية.