الصفحة الاولىسلايد الجريدةصحيفة البعث

ترامب من قبو “يوم القيامة”: ما يجري إرهاب داخلي!

لليوم السابع على التوالي، تتوسّع رقعة المظاهرات في الولايات المتحدة الأميركية، احتجاجاً على مقتل الأميركي من أصول إفريقية جورج فلويد على يد الشرطة بمدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا، فيما لم يستطع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إخفاء غضبه من الأنباء التي كشفت اختباءه في قبو البيت الأبيض المحصن المعروف باسم “يوم القيامة” جراء الاحتجاجات التي جرت في محيطه، لكنه أكد عزمه “حشد جميع الموارد العسكرية والأمنية لوقف أعمال العنف”، مشدداً على أن “منظمو العنف سيواجهون عقوبات جنائية”، وأضاف، في مؤتمر صحافي من أمام كنيسة سانت جون في واشنطن المجاورة للبيت الأبيض، والتي توجه إليها مشياً على الأقدام، أنه “سوف ينهي الشغب الآن”، مشيراً إلى أنه طلب من الحكام نشر الحرس الوطني بأعداد كافية لـ”قمع العنف، وأي ولاية ترفض سأنشر فيها الجيش الأميركي وأنهي المسألة بسرعة”.

وظهر ترامب وهو يحمل الكتاب المقدس خلال زيارته الكنيسة المجاورة للبيت الأبيض، وشدّد على أنه اتخذ خطوات حاسمة وسريعة لحماية واشنطن العاصمة، وأضاف: إن “ما نراه أعمال تخريبية تصل لمستوى الإرهاب الداخلي، والاحتجاجات السلمية ينبغي ألّا يفسدها العنف”، كما قال: “إدارتي ملتزمة بتحقيق العدالة لموت جورج فلويد، وسأكافح من أجل سلامة الأميركيين، ولكن خلال الأيام الماضية كان هناك من يحاول أن يفسدها بالعنف”.

وكان مصدر أمريكي مطلع قال: إن ترامب أخبر مساعديه أنه يريد الظهور خارج بوابات المقر الرئاسي، وهذا ما دفعه لالتقاط صورة أمام الكنيسة، والتي سبقها استخدام الشرطة الغاز المسيل للدموع لتطهير المنطقة من المتظاهرين السلميين، وتابع: إن ترامب كان محبطاً من تصويره على أنه قلق من الاحتجاجات خارج البيت الأبيض واختبائه لأنه “بدا ضعيفاً أمام الناس”.

وفي وقت سابق، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية أن “عملاء الخدمة السرية للرئيس نقلوا ترامب فجأة إلى مخبأ تحت الأرض كان يستخدم في الماضي خلال الهجمات الإرهابية”.

بالتزامن، جدد المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية جو بايدن انتقاد ممارسات ترامب وأسلوب تعامله مع الاحتجاجات الغاضبة المناهضة لعنصرية الشرطة الأميركية، مؤكداً أن الأخير يستخدم الجيش الأميركي ضد الشعب، وأضاف، في تغريدة على تويتر، “إنه يطلق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على متظاهرين سلميين من أجل الترويج لنفسه”، مضيفاً: “من أجل أولادنا ومن أجل روح بلادنا علينا أن نهزمه معاً”.

وجاءت تغريدة بايدن ردّاً على تهديدات ترامب بزج الآلاف من الجنود المدججين بالسلاح وقوات إنفاذ القانون لإنهاء الاحتجاجات في العاصمة ومدن أخرى إذا لم يستطع رؤساء البلدية والحكام استعادة السيطرة على الشوارع ورفضوا استدعاء الحرس الوطني، كما هدّد من وصفهم بـ “منظمي الفوضى” في البلاد ومنظمة “أنتيفا” المناهضة للعنصرية بسنوات طويلة في السجن.

وأكدت رئيسة مجلس النواب الأميركي ناسي بيلوسي وزعيم الديمقراطيين تشاك شومر، في بيان، “إن الأميركيين يحتجون من أجل وضع حد للظلم والوحشية”، فيما قال عضو مجلس الشيوخ الأميركي كامالا هاريس: إن “كلمات ترامب عن التظاهرات ليست كلام رئيس أميركا بل مفردات ديكتاتور”.

أما رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي إليوت أنغيل فرأى من جهته أن “خطاب ترامب كان متدنياً”، وقال: “يعتقد الرئيس أنه يتصرّف من موقع السلطة، لكن الأمر يُظهر أنه يفضل الانقسام بدلاً من جمع بلدنا معاً”، وأضاف: إن “ترامب وصف المتظاهرين بالإرهابيين، وهدد المواطنين بالجيش، كلماته وأفعاله تحرّض على مزيد من العنف، وتظهر أنه ليس لديه مصلحة في معالجة العنصرية المنظمة”، وتابع: “المواطنون يصرخون للاستماع إليهم، وحديثه عن نشر القوات يعني أنه لا يستمع لهم”.

ورداً على حمل ترامب الكتاب المقدس خلال زيارته الكنيسة المجاورة للبيت الأبيض، تساءل عضو مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور كريس ميرفي “عن أي جزء من الكتاب المقدس يتحدّث؟ عن استهداف المحتجين السلميين بالغاز المسيل للدموع؟!”.

وكانت الاحتجاجات بدأت في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا، بعدما أظهر مقطع فيديو فلويد وهو يجاهد للتنفس، بينما يجثو شرطي أبيض بركبته على رقبته حتى لفظ أنفاسه الأسبوع الماضي، بعد أن ساعده عدة ضباط شرطة على تنفيذ جريمته، ما أدى إلى اندلاع مظاهرات عارمة في عشرات الولايات والمدن الأمريكية، إضافة إلى عدد من دول العالم، وارتفعت مجدداً هتافات “حياة السود مهمة”، التي ظهرت في حوادث مماثلة خلال السنوات الماضية.

وفرض حظر التجوّل في عشرات المدن الأميركية وبمستويات لم تشهدها البلاد منذ أعمال الشغب التي أعقبت اغتيال مارتن لوثر كينغ عام 1968، وانتشر الحرس الوطني في 23 ولاية والعاصمة واشنطن، فيما يؤكد الكثيرون أن ترامب، الذي يسعى للفوز بفترة أخرى في انتخابات مقررة في الثالث من تشرين الثاني، مسؤول بشكل كبير عن إثارة النزاع والتوتر العرقي والعنصرية بتصريحاته ضد المهاجرين والأقليات، في الوقت الذي من المفترض فيه أن يعمل على توحيد الأمة ومعالجة القضايا الرئيسية.

الجيش الأمريكي يستخدم المروحيات لتفريق المتظاهرين

في الأثناء، كشفت تسجيلات فيديو تداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أن مروحيات عسكرية أمريكية حلقت على ارتفاع منخفض لتفريق المتظاهرين، الذين نزلوا إلى الشوارع احتجاجاً على مقتل فلويد في منطقة الحي الصيني في العاصمة واشنطن، وذكرت قناة فوكس نيوز أن مقاطع الفيديو أظهرت طائرات هيلوكبتر من طراز بلاك هوك ولاكوتا التابعة للجيش الأمريكي حلقت على ارتفاعات منخفضة في استعراض للقوة لتفريق الحشود، التي خرقت حظر التجول المفروض في المدينة، فيما قال شهود عيان: إن الطائرات العامودية كانت تحلق على ارتفاع منخفض جداً حيث تناثرت الأوساخ والأتربة في الشوارع ومزقت أغصان الأشجار وحطمت واجهات بعض المتاجر.

المظاهرات تتمدد في الداخل والخارج

وفي العاصمة واشنطن أطلقت الشرطة الأمريكية الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين قرب البيت الأبيض، وأوقفت عشرات المتظاهرين لانتهاكهم حظر التجوّل. وبعد ساعات قليلة شارك آلاف آخرون في مظاهرة بشوارع بروكلين مرددين شعارات “العدالة الآن”، بينما تحرّكت سيارات إلى جانبهم وأطلقت بعضها أبواقها دعماً لهم.

وبعد أسبوع على جريمة اغتيال فلويد عزّزت نيويورك ولوس أنجلوس وعشرات المدن الأمريكية الأخرى إجراءاتها الأمنية، ومددت حظر التجول الليلي لإفراغ الشوارع، غير أن حركة الاحتجاجات تواصلت من بوسطن إلى لوس أنجلوس، ومن فيلادلفيا إلى سياتل، ومن أبرز الشعارات التي رددها المتظاهرون “لا يمكنني التنفس”، في إشارة إلى آخر كلمات فلويد.

وبلغت حصيلة القمع الذي مارسته الشرطة الأمريكية منذ بدء الاحتجاجات خمسة قتلى وعشرات الجرحى إضافة إلى اعتقال 4400 من المتظاهرين في مختلف الولايات الأمريكية.

وفي محاولة منها لامتصاص الغضب، أعلنت الشرطة الأمريكية فصل اثنين من عناصرها، بعد أن أظهرت لقطات كاميرا معلقة على سترتهما جرهما طالبين جامعيين من سيارة في أتلانتا خلال الاحتجاجات التي اندلعت هناك.

وحرّكت الاحتجاجات الواسعة، التي تشهدها الولايات المتحدة، المظاهرات والتحركات ضد العنصرية فى دول أخرى، حيث شهدت مدن تورونتو، أكبر مدن كندا، وبرلين وامستردام ولندن وباريس مظاهرات دعماً للمتظاهرين الأمريكيين، وحمل المتظاهرون لافتات تندد بالعنصرية، وتطالب بإحقاق العدالة في قضية فلويد، كتب على بعضها “العنصرية تخنقنا” و”العدالة لفلويد”.

عنف الشرطة الأميركية يطال الصحفيين

وفي الوقت الذي تتسارع فيه وتتوسع رقعة المظاهرات، تتكشف الحقائق عن وحشية الشرطة وقمعهم للصحفيين ووسائل الإعلام، في بلد يدعي الديمقراطية والدفاع عن حرية الرأي والتعبير، فقد حذّرت صحيفة “ناشيونال بوست” الأميركية من أنه مع تواصل أعمال العنف في جميع أنحاء الولايات المتحدة وسط الاحتجاجات ضد العنصرية ووحشية الشرطة يتعرّض الصحفيون للتهديد والإصابة والاعتقال في عدد من المدن الأميركية، وأوضحت أن مقاطع الفيديو والصور والصفحات المباشرة على الانترنت التي يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر إصابة الصحفيين، وتشير الأحداث إلى أن العاملين في الصحافة يستهدفون في بعض الحالات عمداً من قبل السلطات بينما لم يقم ترامب، الذي سخر من الصحافة منذ فترة طويلة بعبارات مثل “الأخبار المزيفة” و”عدو الشعب”، بأي تحرك لوقف مثل هذه الاعتداءات.

وأشارت الصحيفة إلى أن العالم شاهد السلطات الأميركية لأول مرة تواجه الصحافة عندما ألقت الشرطة القبض على عمر خيمينيز الصحفي من شبكة “سي. إن. إن” الإخبارية الأميركية على الهواء مباشرة أثناء تغطية الاحتجاجات، وذلك بعد أن امتثل لمطالب الشرطة مع الطاقم الإخباري الذي يبث الأخبار بالتراجع، حيث اعتقلتهم الشرطة تعسفياً، واستمرت الكاميرات في الدوران، وبثت الشبكة احتجاز مراسلها لأكثر من ساعة، بينما توجه ترامب إلى تويتر في وقت لاحق يوم السبت لمهاجمة وسائل الإعلام الرئيسية.

ومن بين الأمثلة الأخرى إطلاق الشرطة الأميركية النار على المصورة الصحفية ليندا تيرادو يوم الجمعة الماضي حيث خضعت إلى عملية جراحية على إثرها وصرحت أنها “أصيبت بالعمى الدائم في إحدى عينيها”، وكذلك وثق الصحفي نيك ووترز من موقع “بيلينغكات” الاستقصائي عدداً من الاعتداءات على الصحفيين حيث سجّل أكثر من 95 حادثة عن اعتداء الشرطة وعناصر الأمن على الإعلاميين وإصابتهم بجراح. كما صور مراسل شبكة “سي بي اس نيوز” الأميركية مقطع فيديو والشرطة تطلق النيران عليه وعلى طاقمه، حيث أصيب مهندس الصوت بطلقة بذراعه.

واعتبرت مجموعة المراقبة التابعة للجنة أن “الهجمات الموجهة ضد الصحفيين وطواقم الإعلام التي تغطي المظاهرات تظهر تجاهلاً تاماً لدورهم الحاسم في توثيق القضايا ذات الاهتمام العام وهي محاولة غير مقبولة لترهيبهم”، مشددة على أن “السلطات في المدن في جميع أنحاء الولايات المتحدة تحتاج إلى توجيه الشرطة بعدم استهداف الصحفيين”.

من جهته كشف موقع “بيزنس انسايدر” الأميركي عن مطالبة الصحفيين الأميركيين بوضع حد للاعتداءات التي يتعرضون لها بعد أن شنت الشرطة الأميركية أكثر من 100 هجوم على صحفيين خلال تغطيتهم للاحتجاجات التي تشهدها الولايات المتحدة.

وفي رسالة مفتوحة من عدة مجموعات مثل جمعية صحفيون محترفون ومراسلون بلا حدود ولجنة حماية الصحفيين ونادي الصحافة الوطني طالب الموقعون بوقف الاستهداف المتعمد والمدمر للصحفيين في الميدان، وأضافت الرسالة: “على مدار الـ 72 ساعة الماضية فتحت الشرطة النار وأطلقت الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل واستخدمت العصي لمهاجمة الصحفيين كما لم يحدث من قبل في هذه الأمة”، موضحين أنه “عندما يتم إسكات الصحافة بالرصاص فإنك بذلك تسكت صوت الجمهور”.