ثقافةصحيفة البعث

مديرية ثقافة دمشق تكرّم أسرة “حارس القدس”

كرّمت مديرية الثقافة بدمشق في المركز الثقافي “أبو رمانة” أسرة مسلسل “حارس القدس” بعد النجاح الكبير الذي حققه، وتقديم درع مديرية ثقافة دمشق لأسرة العمل، وأكد وسيم المبيض مدير ثقافة دمشق أنه شرف كبير أن تكون باكورة النشاطات بعد استئناف العمل في المراكز الثقافية إقامة ندوة، وتكريم أسرة “حارس القدس”، والحديث عن رجل المقاومة المطران ايلاريون كبوجي ضمن سلسلة “ذاكرة وطن” التي تشرف عليها الإعلامية إلهام سلطان، وأشار المبيض إلى أنه كان من الضروري اللقاء مع أسرة “حارس القدس” التي جسّدت بكامل كادرها بطولات المطران كبوجي الذي جسّد في مبادئه قداسة القضية.

نجاح باهر

عندما كان في الثانية عشرة من عمره، في عام 1974، دخل المخرج باسل الخطيب إلى مكتب والده الشاعر يوسف الخطيب، وحينما سأله ماذا يكتب، أخبره والده أنه يكتب قصيدة للمطران ايلاريون كبوجي الذي كان سجيناً في سجون الاحتلال الصهيوني. يومها عرف باسل الخطيب من هو المطران كبوجي، وقد ظل الاسم بباله، لكنه لم يخطر له أنه سينجز مسلسلاً عنه في يوم من الأيام، ويزيّنه بكلمات كتبها والده، وهو اليوم يشعر بالفخر لأنه استطاع أن يوصل كلمات الشاعر الخطيب من خلال المسلسل وشارته التي لحّنها المايسترو سمير كويفاتي وأحبّها الناس، شاكراً مساهمة الأب الياس الزحلاوي التي كانت ضرورية وهامة، وهو الذي كان صمام الأمان للعمل، فبجهوده حُلّت كل المشاكل التي رافقت العمل، ورغم نصيحة المحيطين به بتركه، إلا أن صوتاً كان يقول له: “يجب أن تحارب من أجله حتى النهاية”؛ وهذا ما حدث بالفعل، إلى أن اكتمل ووصل للجمهور. ويرى الخطيب نفسه جندياً من جنود كثر شاركوا في إنجاز هذا المشروع، شاكراً الفنيين والفنانين الذين اشتغلوا في ظروف صعبة لأنهم كانوا مؤمنين بالتجربة، ونهج شخصية المطران، ولذلك أرادوا أن يكونوا جزءاً من هذا المشروع، مؤكداً أنه لو توفرت ميزانية جيدة لكان العمل في مكان آخر، وطوال الوقت كانوا يجدون حلولاً على المستوى الفني والإنتاجي ليوصلوا صورة لائقة، ومشاهد من الضروري إيصالها للمشاهد.

وعن مدى الانسجام بين الكاتب والمخرج أثناء العمل، بيّن الخطيب أن الاختلاف بين الكاتب والمخرج هو الذي يولّد وجهات نظر مختلفة تكون الأفضل والأصح، ولا يخفي أنه لم يتوقع هذا النجاح الباهر لعمل يغطي فترة زمنية طويلة، ويحتاج لمجموعة مواقع عاش فيها المطران في حلب وروما والقدس وبيروت وأمريكا اللاتينية، ومحاولة إيجاد أماكن مشابهة لها، شاكراً أهل مدينة حلب التي صُوّر فيها قسم كبير من العمل، وخاصة الجهات الدينية، فلولا مساعدتهم لما تم التصوير، وكذلك الجهود الجبارة التي بذلها وزير الإعلام ليرى هذا العمل النور، والذي لم يلق الدعم من محطات عربية تحظى بمشاهدة عالية، لأن المحطات برأيه لا تريد أعمالاً عن فلسطين، وهذا ما يعرفه منذ مسلسله “أنا القدس” الذي عانى من مشاكل في تسويقه.

سكنته فلسطين

ويشير الأب الياس الزحلاوي، المستشار الديني والتاريخي للمسلسل، إلى أن الفلسطينيين منذ أكثر من سبعين عاماً يقدمون كل يوم الشهداء، والعالم العربي بأجمعه، باستثناء سورية والقلّة القليلة، يتخاذل.. من هنا فإن المطران كبوجي كسوري لم يكن استثناء في مواقفه، مبيّناً أنه عُين في عام 1965 أسقفاً على القدس، وبعد كارثة 1967 سكنته فلسطين كما سكنه ابنها يسوع، وعرف أن يربط بين كلام السيد المسيح وصليبه وحياته، وكان مدركاً أن ذلك سيكلّفه غالياً، لاسيما أن الكنيسة في الغرب تابعة لروما المكبلة منذ سنوات بعقدة ذنب مرضية تجاه اليهود، في الوقت الذي وهب فيه المطران حياته في مواجهة الاحتلال، وقد شاء أن يتورط  في المقاومة ليس بحمل السلاح، بل بتأمينه لأبناء فلسطين الذين كانوا عزلاً يقتلون ويشردون وتغتصب حقوقهم، وأوضح الأب زحلاوي أن من يقرأ مذكراته يكتشف الجوهر الذي كان يملؤه من الداخل من حيث الإيمان بالله والسيد المسيح وفدائه لأرضه، ومن يرد أن يكتشف سره وهو فريد من نوعه عليه أن يقرأ هذه المذكرات ورسائله إلى والدته والفاتيكان التي عرّى نفسه فيها بجوهر ما كان فيه، ويأسف الأب زحلاوي لأن معظم الدول العربية باستثناء محطة الميادين والظفرة الإماراتية رفضت أن تعرض “حارس القدس”، وهذا يشير برأيه إلى سوء مستوى الثقافة والروح القومية التي أخذت تسود في المجتمعات العربية.

نقي كالماء

يعترف الكاتب حسن م يوسف بأنه لا يفتخر عادة بالأشياء التي ينجزها، ولكنه اليوم يعلن أنه شديد الافتخار بـ “حارس القدس”، وبأنه كان خادماً لهذه الشخصية المنيرة التي تشكّل حافزاً للأمة لكي تستيقظ وتقف على قدميها، موجهاً الشكر للسيدة ديانا جبور لأنها كانت أول من أطلق فكرة إنجاز مسلسل عن المطران بعد ثلاثة أيام من رحيله، حيث دعته يومها لكتابة سيناريو عنه، وقد وافق بعد أن اشترط باسل الخطيب مخرجاً له ليشكّل ضمانة لنجاحه بثقافته وموهبته وحسه الوطني العميق، وفرادته الخاصة في العمل على التفاصيل، ومن هنا نجح بصيغة فنية عالية المستوى في أن يختصر 94 سنة من عمر المطران بـ 24 ساعة. واستذكر م. يوسف أنه عندما كُلّف بالعمل كان متوقعاً أنه سيجد الكثير من المعلومات حول المطران، إلا أنه اكتشف أن كبوجي كان كالقنديل يضيء كل من حوله، لكنه لا يتحدث عن نفسه، لذلك لجاً إلى صديقه غسان الشامي طالباً المساعدة لأنه كان شديد الاهتمام بكل القضايا التي تهم المقاومة وفلسطين، فأرشده إلى صحفيين هما سركيس أبو زيد، وأنطوان فرنسيس كانا قد ذهبا إلى روما بعد إطلاق سراح المطران من المعتقل الصهيوني، وقد أملى عليهما ذكرياته في السجن مشترطاً عدم نشرها إلا بعد وفاته، فكان من المقرر طبعها عام 2018، أي بعد فترة كتابة يوسف للسيناريو؛ وبفضل تدخل الشامي لدى الصحفيين تم إرسال الكتاب له قبل طباعته، وهذا برأيه كرم مدهش لم يكن ممكناً لولا إيمان الشامي والصحفيين بالقضية النبيلة، والشخصية التي يمثّلها المطران. واعترف م. يوسف أن السيناريو دون هذا الكتاب ما كان له أن يرى النور، كما لا ينكر اعتماده على كتاب آخر كان قد أصدره الكاتب الروائي حيدر حيدر، وهو نتيجة حوار أجراه حيدر في روما، حينما كان يعمل في إعلام المقاومة، مبيّناً أن “حارس القدس” في النهاية هو عمل جماعي، فالكل قدّم رؤيته، وأضاف شيئاً من روحه لإحياء ذكر هذه الشخصية المستنيرة. ويشير يوسف إلى أن الفن صنعتان: إنجاز العمل، وإخفاء آثار الصنعة، وأنه يكتب بلحمه ودمه، وهو لم يواجه صعوبة في كتابة السيناريو، والفضل الأساسي يعود برأيه للمطران .

وسام على صدره

تحدث الطفل ربيع جان الذي قام بدور المطران كبوجي في طفولته عن أن المطران منذ طفولته كان مدافعاً عن الحق وضد الظلم دائماً، ويمد يد المساعدة لكل من يحتاج، ومنذ طفولته كانت تصرفاته وسلوكه ومواقفه تشير إلى أنه سيصبح يوماً ما شخصية مهمة. وأكد جان أنه يفتخر بأنه كان أحد المشاركين في هذا العمل المهم الذي يتناول سيرة حياة شخصية وطنية، وأن تجسيده لهذه الشخصية هو وسام على صدره، وسيبقى العمل في قلبه وعقله دائماً، شاكراً المخرج الخطيب على الثقة التي منحه إياها في اختياره لتجسيد هذه الشخصية بعد تجربتين سينمائيتين سابقتين معه، مشيراً إلى أن المشاهد الصامتة في المسلسل، إلى جانب المشاهد التي قدمها مع الفنانة نادين قدور التي جسّدت دور والدته في العمل، ومشاهد سفر كبوجي في طفولته، كانت من أحب المشاهد إلى قلبه، إلى جانب المشاهد التي كان يلقي فيها قصائد شعرية أمام والدته وأستاذه.

أمينة عباس