دراساتصحيفة البعث

أوروبا تدمّر ثقافتها اليونانية و الرومانية

إعداد: هيفاء علي

 

في منتصف عام 2020، وصلت الشعوب الأوروبية إلى مفترق طرق مرة أخرى على خلفية الأزمة الصحية العالمية التي خلفتها جائحة كورونا، ما تسبب في بدء تقلّص الإنتاج، وبروز أزمة مالية خطيرة بشّر بقدومها العديد من الخبراء الغربيين.

حتى لو كان الاقتصاد العالمي في حالة احتضار منذ عام 2016، ودخلت الولايات المتحدة في ركود حقيقي بحلول نهاية عام 2018، فإن هذه الأزمة بسبب الوباء ستسرّع وتيرة تفكك الاقتصاد العالمي، وتكشف النقاب عن الفوضى المالية أمام جميع دول العالم.

وعلى خلاف أزمة عام 2008 التي تم تحميل المسؤولية عنها لـ “وول ستريت” والمصرفيين، إلا أنه هذه المرة سوف تستفيد الحيتان المالية عن طريق الصدفة أو عمداً من هذه الأزمة الصحية، ما سيساعد القادة الأوروبيين وقيم الرأسمالية على التملّص من تحمّل المسؤولية عنها، ببساطة لأن الأشخاص الحقيقيين المسؤولين عن الأزمة القادمة يتواجدون إلى جانب الساسة الأوروبيين والمؤسسات المالية التي حكمت الدول الأوروبية لعدة عقود دون قيود ودون عقبات سياسية حقيقية.

حتى الآن لم يشهد العالم الذروة المعلنة في معدل الوفيات، والعواقب المدمرة الحقيقية لهذه الأزمة البشرية والمادية ستحدث في الأسابيع المقبلة، وسيجد القادة الأوروبيون الذين أثبتوا عجزهم التام عن إدارة هذه الأزمة أنفسهم في مواجهة أكبر كارثة اقتصادية في التاريخ.

هذا الخوف من الغد سيساعدهم على الانتقال إلى المستوى التالي من الخطة العالمية، ذلك أن العواقب الاقتصادية والاجتماعية لهذه الأزمة ستكون ذريعة لفرض نظامهم العالمي الجديد، حتى مع ظهور الفيروس التاجي من أسبوع لآخر على أنه “عملية احتيال القرن”.

وهكذا، قررت المؤسسة التي تدرك أن التوتر الاجتماعي في أوج ذروته منذ إلغاء الحجر، أن تلعب ورقة التوترات العرقية، فمع قضية “جورج فلويد” ، بدأت النخبة الإعلامية- الاقتصادية، مع التهديدات التي كانت بالكاد تتجنبها بالحروب العنصرية في الدول الغربية متعددة الثقافات، بفرض نفسها في المناقشات العامة، خاصة في البلدان الأوروبية “من العرق الأبيض”، وعشية مقتل هذا المواطن الأمريكي من أصل أفريقي على أيدي رجال الشرطة البيض، بدأت حملة إعلامية عالمية بالتحريض على النزول إلى الشوارع، وتحميل المسؤولين السياسيين المسؤولية عن عنف الشرطة “البيضاء” ضد المواطنين الزنوج في الدول الغربية متعددة الثقافات، ونتيجة لذلك سقط  العالم الغربي، مدفوعاً بالمجال الإعلامي السياسي، وساعده التمويل الخارجي تدريجياً في هستيريا جماعية، حيث اكتسبت هذه المظاهرات زخماً قوياً في فرنسا والولايات المتحدة وبلجيكا وانكلترا.

يكشف هذا الاتجاه الشبكة العميقة لهذه الظاهرة، حيث شهدت الولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا وانكلترا تدميراً للآثار والتماثيل على غرار ما حصل في سورية والعراق من تدمير ممنهج لآثار عمرها آلاف السنين، كانت إزالة الآثار من التراث الفرنسي جارية في ظل ولاية ساركوزي، وقد ساءت منذ وصول ماكرون إلى السلطة، إذ تتم تصفية التراث الفرنسي، والأوروبي عموماً ليس من أجل  إصلاح “المعاناة السوداء” المزعومة، وإنما لإرضاء السلطات المالية التي ترغب في تدمير الأمة الفرنسية المحتضرة بتواطؤ وسائل الإعلام، الأمر الذي ينذر بخطورة العصر.

كل هؤلاء المتلاعبين الذين يعيشون في الغرب المستعبد والمستبد يجب أن يركزوا بشكل خاص على دور الرأسمالية المالية، ووضعهم الخاص في المجتمع  الأوروبي الاستهلاكي الترفيهي، وبالطبع لن يتحدثوا عن استغلال الأطفال الأفارقة الذين يستمرون في إنتاج هواتفهم المحمولة وأقراصهم المصنوعة من مواد من مناجم الكوبالت، لذا، قبل الرغبة في الانتقام من تجارة الرقيق التي استمرت قروناً، سيكون من الأجدى لجميع هؤلاء المنافقين العنصريين أن ينظروا إلى المعاناة السوداء لهذا العصر، والعبيد الحقيقيين المعاصرين لـ “آبل وسامسونغ”، لأنه حتى الآن يتم إرسال “الإخوة الصغار” لهؤلاء السكان الأصليين من قبل الطبقة الفائقة من البدو إلى مناجم الكوبالت حتى يتمكن النشطاء العنصريون من تصوير أنفسهم على يوتيوب، وفيسبوك، وسناب شات، لإظهار تحطيم التماثيل في الغرب.

في الواقع، معظم هؤلاء الناس غير قادرين على التفكير وإدراك أنه يتم التلاعب بهم من قبل طبقة قبلية أكثر ذكاء منهم، لأن هدف الطبقة المفرطة العالمية هو أن تفرض على الشعوب الغربية في المستقبل القريب ديناً دائماً وتوبة أبدية.

هذه المناقشات الخاطئة التي تفضل النضالات الأفقية (الحروب العرقية، الطائفية، وما إلى ذلك)، تسمح لساسة أوروبا بفرض خططهم السياسية على شعوبهم، وتجعلهم ينسون أن الاستعمار المالي (الوحيد، الحقيقي) لايزال موجوداً، وأنه تعزز حتى في العقود الأخيرة عبر جميع الدول.

إن قضية الديون هذه التي لم يتم التشكيك بها هي في الواقع جوهر القضية السياسية المهمة الوحيدة التي تستحق السؤال الآن، جزء من السترات الصفراء يفهم ذلك، وهذا هو السبب في أن حركة الغضب العنصري هذه تهدف إلى منع عودة هذا  الغضب الشعبي الحقيقي، في الوقت الراهن، أصبح عدو الإنسانية “الأبيض”، ولكن وراء هذا الهجوم من قبل الرجل الأبيض، هناك في الواقع إرادة لتدمير الجزء المسيحي والثقافة اليونانية الرومانية التي لاتزال في أوروبا، وتتمثل المهمة الآن في إتمام تدمير الصرح الأخلاقي والروحي الذي لاتزال بقايا أوروبا المحتضرة فيه قائمة، وهذه التوبة التي تهدف إلى تنظيم الفوضى السياسية والفكرية في المجتمعات الأوربية لها أصل، وهذا المصدر شائع بشكل غريب في مشكلة الديون.