الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

سورة الزلزلة

د. نضال الصالح

على الترجيح لا تزيد على ست، وعلى اليقين ليست سوى ثآليل تنبت على جانبي الطريق الدولي بين دمشق وحلب، فيما بين خان شيخون وما بعد سراقب نحو حلب، وعلى اليقين أيضاً جحورٌ تتقدّمها براميل شديدة الصدأ وأشلاء عربات متفحمة، وتسوّرها سواتر ترابية واهنة، ويختبئ فيها بضعة من الجنود الذين لا يجرؤ أحد منهم على التطاول برأسه خارج جحره قيد أنملة.

تلك هي ما تُسمّى نقاط المراقبة التركية، النتوءات المتناهية في الضآلة سِعةً ودلالة فوق لحم الجغرافية السورية، والتي تستعيد لرائيها تعريف الثؤلول في المعاجم الطبية بأنّه زائدة جلدية بارزة أو مسطحة، ولا يزيد قطر أكبرها على سنتمتر واحد، وتتسبب عن واحد من مئة فيروس، وغالباً ما تختفي من تلقاء نفسها، وحسب المعاجم أيضاً يمكن إزالة ما لا يختفي منها بنفسه بإحدى طرق ثلاث: بالمواد الموضعية، أو التجميد، أو الحرق أو القطع.

الثآليل الستة ستختفي ذات يوم، طوعاً أو كرهاً، كما اختفى سابقوها من لحم البلاد، وسيستعيد الطريق الدولي بين دمشق وحلب، كما البلاد كلها، بِساطه السوريّ الخالب الذي كان، وسندسه الأخضر الذي سيُبعث إلى الحياة من جديد أبهى ممّا كان، بعد أن يتساقط على جانبيه، ومن البلاد كلها، أحفاد خاير بك الذي كان نائب السلطان المملوكي قانصوه الغوري على حلب قبل أن تدهمها جحافل السلطان العثماني سليم الأول بعد معركة مرج دابق في الرابع والعشرين من شهر آب سنة ألف وخمسمئة وست عشرة للميلاد.

تقول كتب التاريخ إنّ خاير بك كان قائد الميْسرة في جيش السلطان المملوكي في مواجهة جيش السلطان العثماني في تلك المعركة، وإنّ الثاني، بعد أن تمّ له احتلال حلب، سمّاه “خاين” بك بدلاً من خاير بك لأنه انسحب بجنوده من أرض المعركة، وأشاع بينهم أن الغوري لقي حتفه، ثم لحق بجيش السلطان العثماني، وكان ذلك باتفاق مسبق معه.

الثآليل الستة التي قد تزيد بواحد أو اثنين يتخفيان وراء مرتفع من الأرض أو أطلال بناء متهدّم، والتي تنتصب في عراء مترامي الجهات شبيهة بالفزاعات في حقل ذرة. هياكل من خشب متهالك وثياب بالية لن يطول بها الأمر حتى تعصف بها عاتيات الضوء والحقّ مهما تورّمت ومهما اشتدت حالكات الزيف، ومهما تناسل خاين بك في هيئات وصور وأسماء مختلفة، وستصبح محض خرائب تصفر فيها الريح، ومحض صور في كتب التاريخ كما كانت صور مَن قبلها ومثلها ممّن تجرأ على هذه الأرض قبل سلاطين بني عثمان وبعدهم، ثمّ كانت الصور أثراً بعد عين، من الروم والمغول والتتار و…  ستلفظها الأرض، ستُخسف بها. ستتزلزل الأرض، وسترمي عنها أثقالها، وسيقول الناس ما لها، فتُحدّث يومئذ أخبارها، وسيتصاعد من التراب صوت يتردد في الجهات جميعاً: الأرض كما السماء: تمهل ولا تهمل.