صحيفة البعثمحليات

الرغيف.. بلا زعل!

 باعتباري “مواطن حاف” ولا أستطيع أن أخرج من جلدتي في الانتماء لشريحة محدودي الدخل وصغار الكسبة، أجد نفسي متواطئاً من حيث القناعة أو من دونها مع السواد الأعظم من المجتمع الملتحف بمنغصات العيش وأدوات مقاومة سعير السوق الذي يلتهم بضعة أوراق نقدية تأتي كدخل شهري أو أجر يومي وأسبوعي لا تساوي شيئاً أمام غول الغلاء!!

من المبدأ السابق، لا يمكنني كـــ “مستهلك” الدفاع اعتباطياً عن أي تحريك للأسعار، ولاسيما للسلع الأساسية، إلا أن في قضية “الخبز” شيئاً ما يحزّ في النفس يرتبط بوجع اقتصادي متوارث حكومياً واجتماعياً وثقافياً، ففي الشعور العام أن ثمّة وفرة في الإنتاج والمخازين المحليين، يضاف إليهما التعاطي الرسمي الذي جعل من الرغيف خطاً أحمر، ممنوع الاقتراب منه، وبالتالي بقي على قائمة المدعومين بهامش خسارة مرتفع جداً بالقياس إلى حسابات الجدوى والدراسة الاقتصادية.

هنا في مضمار الخبز أسمح لنفسي وليعذرني أترابي المواطنون “بلا زعل” أن ثمة إجحافاً وغبناً في سعر الخبز، أمام أخواته المدعومات من السكر والرز، إذ كيف يتمّ تحريك سعر الأخيرات ويبقى الرغيف بسعر يحرّض الجميع للتمادي عليه والاستهتار به؛ والمسألة هنا لا تحتمل المواربة والرياء والمحاباة، إن كان للحكومة أو المستهلك، فالمنفعة الكبرى تفوق بكثيرٍ ما “يضوج” الناس من أجله وهو بضعة ليرات فرق سعر جديد تضاف لـ 50 ليرة ثمن ربطة خبز يُستهلك نصفها وتُرمى في اليوم التالي لأنها، ببساطة، “بائتة” لا يتناولها شخص متأفف، والدافع النفسي والريعي الوحيد أن “كل شي بلاش أكثر منه”، في ظواهر مريضة من الهدر الخطير الذي تجاوز كل الأخلاقيات التي نتابعها بمشاهد رفع فتات الخبز المرمي وتقبيله ووضعه على الجبين كرمز للنعمة، في وقت لا نتوانى عن رمي أكياس من الخبز والمشي فوقها “كعلف حيواني” في مفارقة عجيبة وتناقض فظ في السلوك لا ينمّ إلا عن فرط البطر وإساءة التصرف!!

شخصياً أعتبر أن لا ثمن حقيقياً لربطة الخبز، ولكن هناك من سيخرج ويلعن ويسفّه ويعارض قائلاً: إن في بلدنا أناساً لا يملكون ثمن ربطة الخبز، فكيف الحال بأكثر.. والردّ: لا يوجد في سورية من يموت من الجوع، وهذا مثل قديم متجدّد مفروغ من أسبابه، ثم كيف لمواطن يصنّف نفسه بالفقير ويستهلك يومياً علبتي تبغ بأكثر من ألف ليرة ويثرثر على هاتفه بـمئات الليرات و.. و.. ولا يستطيع دفع 50 أو مئة ليرة ثمن خبز يكفي عائلة ليوم واحد؟! 

في عاداتنا الغذائية انتقام جائر للأطعمة والوجبات التي نخاف أسعارها بصورة لم يكن أحد بمنأى عنها “كُلْ بالخبز يا ولد.. وكبّر الشدوق يا فهمان”! والسبب ببساطة أن الخبز رخيص وليس محترماً إلا في “السوالف والخطابات التنظيرية”.. في وقت يتباكى البعض من جور ما يتعرّض له في الخبز الحاف الذي يعرّض الأكتاف كما يتشدقون!!.

“رسالتنا”.. نحن ضد رفع سعر أيّ مادة، ماعدا الخبز الذي يستحق المداراة، وهذا كلام مواطن وليس كلام مسؤول.. ومن لديه كلام آخر ليتفضل به. 

علي بلال قاسم