محليات

الشوندر يغطي 20% من حاجة السكر.. فهل تعود زراعته وإنتاجه إلى عهدهما؟!

مع سعي وزارة الصناعة لإعادة المنشآت والمعامل التي توقفت خلال فترة الحرب إلى العمل مجدداً ضمن خطة تعدها مع الوزارات المعنية، برز اسم شركة سكر سلحب إلى الواجهة مجدداً والتي كان توقف العمل فيها نتيجة نقص مادة الشوندر السكري وصعوبة زراعته في المناطق المغذية للمعمل بسبب الإرهاب، وفي الوقت عينه ومع إطلاق الحكومة لإستراتيجية تطوير منطقة الغاب بخطة إسعافية لدعم المحاصيل الزراعية الإستراتيجية ومنها الشوندر السكري المتوقف عن الزراعة منذ عام تقريباً، يبدو أن الظروف باتت ملائمة من جديد لعودة المحصول إلى دورة الإنتاج الزراعي بأسس ومعايير جديدة.

صعوبات

الدكتورة انتصار الجباوي رئيس قسم بحوث الشوندر السكري في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية وفي  معرض حديثها لـ “البعث” عن أبرز الصعوبات التي أدت إلى توقف المحصول، قالت: تغيرت ظروف زراعة الشوندر بشكل كبير خلال سنوات الأزمة التي تمر فيها سورية بسبب الظروف الأمنية في بعض المناطق، فمعظم الأراضي التي كانت تزرع بمساحات واسعة منه تقع في المناطق الساخنة، ما أدى إلى تقطع الطرق الزراعية، وعدم قدرة المزارعين على الوصول إلى حقولهم، وسرقة معظم مضخات المياه وشبكات الري، وخروجها من الخدمة، ونزوح سكان المناطق الزراعية (اليد العاملة) إلى مناطق آمنة وتوقف شركات السكر عن العمل باستثناء شركة سكر تل سلحب، إضافة إلى عدم توافر مستلزمات الإنتاج في الوقت المناسب (بذار – يد عاملة – أسمدة – مازوت)، كما أن كثيراً من المواد كالسماد والأدوية الزراعية يتم شراؤه من السوق بأسعار يفرضها التاجر والصيدليات الزراعية التي تبيع الأدوية المحلية والمستوردة، وكثيراً ما تكون تلك الأدوية غير فعالة ما يزيد التكلفة أكثر وتزيد معها نسبة الإصابة بالأمراض للمزروعات، وأيضاً ارتفاع أسعار حوامل الطاقة ما أدى لارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل كبير، واستبعاد محصول الشوندر من التمويل بقروض، علماً أن حالة الفلاحين المادية لا تسمح بتمويل المحصول نقداً، وارتفاع تكلفة النقل، وتحكم ورشات القلع وأصحاب الجرارات بالأسعار، والأهم من ذلك انخفاض تسعيرة الشوندر المستلم في شركات السكر، حيث بلغت تسعيرة الطن الواحد في الموسم 2014 (8500) ليرة إذا كانت درجة الحلاوة 16% درجة، وترتفع تسعيرة الطن بمعدل 250 ليرة لكل درجة حلاوة، تزيد على 16% ويخصم 100 ليرة لكل درجة أقل من 16%، وأخيراً تحويل إنتاج الشوندر اعتباراً من الموسم 2014 إلى مؤسسة الأعلاف لانخفاض كمية الشوندر المورد لمعمل تل سلحب، وبالتالي قصر مدة الدورة التصنيعية كونها مرتبطة بكميات الشوندر المورد للشركة، فكلما قصرت مدة الدورة التصنيعية تزداد تكلفة تصنيع كيلو السكر.

مقترحات

وعن المقترحات لتحسين وتطوير واقع زراعة إنتاج وتسويق محصول الشوندر السكر، بينت الدكتورة الجباوي أنه لإعادة الألق لزراعة الشوندر السكري يجب اتخاذ عدة خطوات فعالة أولها تعديل التسعيرة إلى أن تقترب من 25 ألف ليرة للطن مع تخفيض أسعار المواد الزراعية، وأن يكون الإعلان عن التسعيرة – في حال طرأ تعديل جديد للتسعيرة – قبل البدء بالتحضير لزراعته، وثانياً تمويل المحصول ديناً بكامل مستلزمات إنتاجه من بذار وسماد ومواد لمكافحة الآفات الزراعية وغيره، وتأمين مستلزمات الإنتاج في الوقت المناسب (بذار – أسمدة – مازوت)، وتأمين مستلزمات الزراعة بما فيها الجرارات للفلاحة والنقل بأقل من سعر السوق، ورابعاً: تنظيم بطاقات قلع المحصول، من أجل تجنب بقاء الشوندر تحت أشعة الشمس وإلحاق الضرر بمواصفاته التصنيعية، والأهم إقناع الفلاح بزراعة الشوندر من خلال الندوات الإرشادية والتوعوية والأيام الحقلية، فالفلاح دائماً لديه خوف لأن الزراعة مصدر وحيد لدخله، وأخيراً دراسة إمكانية تنفيذ خط لتكرير السكر في شركة سكر سلحب، والتعاقد طويل الأمد على استيراد كميات من السكر الأحمر الخام وتصنيعها في الشركة، ما يحقق جدوى وعائداً اقتصادياً جيداً، ويوفر مادة السكر الأبيض في الأسواق، إضافة إلى تشغيل المعمل والعمال في الشركة، وهذا كفيل بتوفير الفرص المناسبة للمؤسسة للدخول إلى الأسواق الخارجية بأسعار تنافسية، وفتح منافذ لتصدير الخميرة والكحول وفائض “المولاس” التي تنتجها معامل المؤسسة، وأخيراً وهو الأهم برأي الجباوي توحيد الجهة المشرفة على المحصول ممثلة بوزارة الصناعة (معمل السكر) من حيث تنظيم العقود والتمويل والإنتاج والتسويق، وقد قامت وزارة الزراعة بخطوة جديدة وهي نقل عائدية محصول الشوندر إلى وزارة الصناعة من حيث تنظيم العقد والتمويل وإبقاء الإشراف على الزراعة لمصلحة مديريات الزراعة في المحافظة على أن تتم إعادة الإشراف الكامل في السنوات القادمة إلى شركة سكر سلحب.

أمن غذائي

وأوضحت رئيسة القسم أنه لابد من التأكيد على أن محصول الشوندر السكري يعتبر محصول أمن غذائي، ويجب ألا تتم زراعة محصول آخر ينافسه لأنه محصول مهم واستراتيجي، وهناك جدوى اقتصادية كبيرة من زراعة محصول الشوندر منها تشغيل المعمل المتوقف الذي كلف مليارات الليرات، وتشغيل العمال والموظفين في الشركة الذين يتقاضون رواتبهم أياً كان وضع المعمل، كما أن تشغيل المعمل ينتج مواد متعددة (المولاس- تفل الشوندر- إنتاج الخميرة)، لذلك يمكن القول أن زراعة محصول الشوندر ذات جدوى اقتصادية واجتماعية كبيرة بالنسبة للفلاح والدولة، وحسب مبدأ الربح والخسارة، لا توجد محاصيل بديلة لإنتاج السكر، خاصة أن السوق العالمية تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار السكر، وبالتالي ستتضاعف المبالغ التي تدفعها الدولة بالعملة الصعبة لتأمين حاجتها من هذه المادة، الأمر الذي يجعلنا نفكر في تحقيق سياسة الاكتفاء الذاتي من السكر وليس إلغاء زراعته،  فلا خيار إلا بدعم الفلاح والمحصول وإعادة وضع الخطط وتنفيذها بما يتناسب مع الواقع الحالي،  وإن زيادة سعر الشوندر مهما كلف الدولة يعد مكسباً مادياً واجتماعياً لها في جميع الأحوال، وتوقف زراعته فيما لو حصل سيؤدي إلى فقدان دخل بمئات الملايين من الليرات لليد العاملة بزراعة الشوندر.

أرقام إحصائية

– تراجع إنتاج الشوندر السكري من 1.4 مليون طن عام 2011 إلى 12 ألف طن عام 2017  وفق إحصائيات وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، 2017.

– الهكتار الواحد المزروع بالشوندر السكري، وفي الظروف المثالية، يمكن أن ينتج حوالي 5 طن من السكر الأبيض، إضافة إلى حوالي 1.5 طناً من الأوراق الجافة، وحوالي 30 طناً من مخلفات تصنيع الشوندر السكري.

– يسهم الشوندر السكري في سورية في تغطية حوالي 20% من حاجة سورية من مادة السكر.

– يستهلك السوريون سنوياً حوالي 709 آلاف طن من السكر أي بمعدل 35 كيلو غراماً للفرد الواحد.

– زراعة هكتار واحد من الشوندر يخلق فرص عمل كثيرة لعدد كبير من الطاقة العاملة الزراعية الموجودة في القطر حيث يحتاج إلى 122 ساعة عمل.

– تكبدت موازنة الدولة أكثر من 9 مليار ليرة سورية، ما يعادل 180 مليون دولار من العملة الصعبة في ذلك العام (المؤسسة العامة للسكر، 2007). وإذا ما بقيت الأسعار العالمية على حالها (سعر طن السكر الأبيض 400 دولار حسب المواقع العالمية لعام 2019)، فهذا يعني، في ظروف أقل ما يقال عنها أنها صعبة للغاية في ظل ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، تكبد سورية رقم فلكي من الدولارات من أجل استيراد مادة السكر الأبيض.

أخيراً

يعد محصول الشوندر السكري في سورية من المحاصيل الزراعية الإستراتيجية المهمة بعد القمح والقطن ويحتل المرتبة الثانية عالمياً بعد قصب السكر في إنتاج السكر الأبيض، فهل نعاود الاهتمام به وتوسيع زراعته لنستطيع بمحاصيلنا الإستراتيجية تحقيق الاكتفاء الذاتي ومواجهة العقوبات الاقتصادية .

ميس خليل