ثقافةصحيفة البعث

“ليلة وجد” في دار الأوبرا

قصيدة البردة كانت ضمن أجمل مختارات أشعار الصوفية التي مثلت الخطاب الصوفي بلغة بلاغية محمّلة بالمعاني التعبيرية وبالمدائح النبوية التي قدمتها مجموعة الرسالة للإنشاد والتراث برؤية بصرية جديدة توازت فيها الخلفية الدائرة لزخارف ونقوش إسلامية تألقت بأسماء الله الحسنى مع لوحات المولوية في أمسية دل عنوانها عليها “ليلة وجد” العشق الإلهي على مسرح الأوبرا.

وتضم مجموعة الرسالة اثني عشر منشداً متميزين بالأصوات الجميلة بمرافقة الآلات الإيقاعية فقط، ولم تقتصر على الآلات الإيقاعية الشرقية المألوفة بجلسات الذكر، إذ أضيفت إليها مجموعة من الإيقاعيات الغربية بتوليفة جمعت بين “الجومبيه والدف والمزهر والكاخون والجرة والطار الإيراني”، شكّلت الخط اللحني المرافق للمنشدين وبدا حضورها القوي في مواضع لاسيما بالقفلة المتتالية، ودوران المولوية مع شيخ الطريقة بسرعات تناغمت مع اللحن، وتنوعت القصائد التي تضمنت مقاطع بالإنشاد الإفرادي وفق وصلات المقامات الموسيقية، فبدأت بالغناء الجماعي لأسماء الله الحسنى من مقام الراست ألحان عبد السلام سفر، مع تكرار” لا إله إلا الله” للمنشدين بالتدرج الصوتي، إلى مقام البيات وإنشاد الموشحات الشهيرة” على النوى، وفيك كل ما أرى حسن” ومن مقام الحجاز قصائد ياعالماً بالسر، يا مولانا، أيها المنسوب.

الفاصل في الأمسية كان المنشد نور الدين سحلول الذي استحوذ على تفاعل جمهور الأوبرا وإعجابه بالإنشاد المنفرد بوصلة من مقام العجم لمقتطفات من قصيدة أبي فراس الحمداني بصوته الشجي ومرافقة خافتة للإيقاعيات وترنيم المنشدين:

فليت الذي بيني وبينك عامر    وبيني وبين العالمين خراب

ثم تابع المنشدون الغناء الجماعي مع الضربات الإيقاعية المتسارعة قصيدة:

طالما أشكو غرامي يانور الوجود     وأنادي يا تهامي يا معدن الجود

وتعالت الآهات ورقص المولوية مع إنشاد قصيدة:

والله ما حول عن حب أحمد   لو قطعتني سيوف المنية

وأخذ هذا البيت دور اللازمة الموسيقية بالتكرار بين المقاطع.

إلا أن قصيدة الحلاج: “والله ما طلعت شمس ولاغربت  إلا وحبك مقرون بأنفاسي” كان لها وقع خاص على الجمهور.

وليلة وجد، التي تخللتها قراءات شعرية لمحمود دوغماط وزهير قباني، هي الأمسية الثانية التي قدمتها مجموعة الرسالة (تأسست عام 2005 بإشراف مؤسسها عمر الديراني)، في دار الأوبرا بعد سنوات من الإنشاد في الزوايا، لتشغل مكانها في المشهد الثقافي.

تمازج الثقافات الصوفية

وقال الصولو الأول رئيس الفرقة نور الدين سحلول للإنشاد الصوفي: إن البرنامج منوع بين التجليات الكلاسيكية الصوفية والطرق الصوفية وتغريب الصوفية، وتوقف عند قصيدة البردة للبوصيري المحببة إلى الوطن العربي والتي غناها صناجة العرب صباح فخري. ويأمل المنشد وعازف البيانو عمر الديراني مؤسس المجموعة استمرار مجموعة الرسالة  بمحبة الجمهور وبتطويرها لتقديم المزيد من أمسيات التراث الصوفي، الذي هو جزء من التراث الإنساني كونه يخاطب الإنسان بكل تجرد بعيداً عن المعتقد الديني، وأوضح بأن الدمج بين الآلات الإيقاعية يأتي من تمازج الثقافات الصوفية الموجودة في الهند وأذربيجان اللتين تشتهران بالتراث الصوفي، كما أن الاندماج بين الإيقاعيات يشكل عامل جذب للجمهور، والطار الإيراني ارتبط مع رقص المولوية. أما اسم مجموعة الرسالة فيعبّر عن رسالتنا بمخاطبة الإنسان بروحه وبفطرته من خلال فلسفة المتصوفين، وسورية متجذرة بالتراث الصوفي وقد مرّ بتاريخها الكثير من المتصوفين وعلى رأسهم محيي الدين بن عربي، وأضاف: قريباً سنقدم إصداراً” سي .دي” لموسوعة تضم أجمل مقتطفات قصائد الصوفية الحلاج- ابن الفارض- السهروردي- عبد الغني النابلسي وسنطلقه بحفل خاص.

ملده شويكاني