دراساتصحيفة البعث

القناع والحياة

إعداد: هيفاء علي

للمرة الأولى في تاريخ البشرية تتوحّد طريقة العيش في كل أنحاء العالم، فقد فرضت جائحة كورونا واقعاً مريراً على الجميع في الوقت نفسه: “إعلان الحجر- ارتداء الكمامة- قناع الوجه- استخدام الكحول للتعقيم- غسل الأيدي بالصابون- نزع الملابس التي نرتديها خارج المنزل لمجرد العودة إليه- تعقيم الخضار والفاكهة وكل المواد الغذائية مجرد دخولها إلى المنزل- إلغاء كافة النشاطات اليومية الثقافية والرياضية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والتعليمية”، أي توقف عجلة الحياة بكل معنى الكلمة.

وعلى الرغم من كلّ ما تقدم، لا تتوقف منظمة الصحة العالمية عن التأكيد على أهمية ارتداء القناع، وأهمية إجراءات الوقاية من الفيروس، لكن هناك من يتذمّر منه ومن إجراءات الحجر.

لكن بغض النظر عما يعتقده أنصار القناع الإجباري، والذين لا يزالون لا يرون فيه سوى مقياس بسيط للنظافة تجاه الآخرين، فإن هؤلاء المتذمرين يرون أن الحياة اليومية كلها هي التي تأثرت بشكل كبير، لأن كل شيء يخضع الآن لسلطة القناع الإجباري، وكلّ حياتنا اليومية هي التي يحكمها الآن ويقتحمها نظام القناع، ولكن ماذا عن الغد؟.. ماذا سيفعل العالم عندما تعود الفيروسات التاجية الأخرى عندما يحلّ فصل الشتاء وعند ظهور أعراض الأنفلونزا؟، وما هي التدابير التي يحقّ للحكومات اتخاذها خلال موسم الأنفلونزا؟.

في ظل هذه الظروف، من الواضح أن هذا النظام سيستمر دون أي حدّ زمني، إنه يشبه إلى حدّ ما إنشاء سد ضخم في مواجهة موجة افتراضية غير متناسبة، أي “تسونامي” ليس من المؤكد حدوثه.

لقد انتقل عالمنا إلى عالم من الحيطة والوقاية المطلقة، هدفه التعقيم وعدم المخاطرة للحفاظ على الحياة، ومع ذلك آلاف الموتى يومياً في العالم بسبب الوباء. لقد أصيب العالم بالفوبيا، فعندما تمشي في أحد الشوارع ويندفع شخص ليحذرك بأن الشرطة قد غرمت شخصين لعدم ارتدائهما قناعاً -لا يوجد ما يشير إلى أنه إلزامي- ستدرك أن شيئاً ما يحدث لا علاقة له بالصحة على الإطلاق. وحتى عندما تجوب دوريات الشرطة الصحية على وسائل النقل العام وتحدق في الركاب، ستدرك أيضاً أن هذا العالم أصبح غير صالح للعيش، وأن الفرح ومتعة الخروج والعيش المشترك والتبادل والمشاركة في هذه الظروف قد انتهت!.

هؤلاء الأشخاص الذين يدّعون حرصهم على سلامة الآخرين، ويهينون الآخرين هم في الواقع مصابون بفيروس آخر أكثر خطورة، وهو التسمّم من وسائل الإعلام التي تغذيها وتحافظ عليها الدعاية الطبية والسياسية المثيرة للقلق والتي لا يوجد ضدها علاج أو لقاح.

هذا القناع الذي يطالبون به باسم صحتهم يخفي في الواقع شخصاً آخر، يخفي ضميرهم وخاصة حريتهم في الضمير والتفكير والتقدير وتقييم الموقف بشكل صحيح، حتى بات كلّ شخص يخفي العقل لمصلحة خيال المرض القاتل. إن ظهور هذا الوباء هو الذي صدم الضمير وبنى الصورة، إنه تمثيل خاطئ للواقع، إنها الرسائل والأوامر المتناقضة، والاستغلال السياسي للوباء، الأمر الذي طمس القراءة الصحيحة والعقلانية لهذه الحلقة.

نعم، حدث وباء ناجم عن فيروس كورونا، يبقى أصله لغزاً بالنسبة للجميع، فهل هذا السبب كافٍ لفرض هذا النظام الديكتاتوري الصحي بينما الجميع يحتاج إلى الحركة والهواء؟ وهل هذا سبب كافٍ لحبس وتقييد كل سكان العالم عندما لا يوجد ما يبرّر ذلك عندما ننظر إلى منحنيات العلاج في المستشفيات والوفيات؟.. ثم لماذا يعتقد البعض أن هذا النظام سينتهي بلقاح؟!.