ثقافةصحيفة البعث

الإنسان كلّ هذا وأكثر

لقد قيل الكثير الكثير في هذا الكائن المهيب، وأُلّفت كتب ومجلدات في تاريخيته حياته.. تطورها.. أدواته..قدراته الروحية والعقلية والنفسية… لغته.. حضاراته.. حروبه.. طرائق تفكيره.. تعايشه ومعايشته لمفردات الله الأخرى.. كائن حيّر الفقهاء والأدباء والمفكرين والفلاسفة والقديسين.. كائن بديع حسن، خلقه الله على صورته وخصّه دون خلقه بالعقل.. بالفكر.. بالمعرفة.

الإنسان هذا الكائن الذي كرمه الله أيما تكريم إذ خصه بالخلافة على أرضه وسخّر له كل ما في الكون لخدمته.. وأرسل له الرسل والأنبياء لعلّه لا يفسد في الأرض فيحيلها أثرا بعد عين.

الإنسان هذا الكائن الغرائبي الذي حيّر العلم والعلماء بتركيبته الفزيولوجية.. الأخلاقية.. بطبائعه التي أورثت الأرض الكثير من الحضارات الباذخة فناً وإبداعاً وروحاً، ومن جهة أخرى أيضاً أورثتها دماراً وخراباً وهلاكاً..

هذا هو الإنسان وما يملك من عقل وروح ونبض حنون، فإن أعمل ما يملكه في الخير والمحبة والسلام ورث هو وأرضه نتائج هذا العمل وعاشَ حياة هانئة سعيدة طافحة بالجمال وبالحب.. وإن أعمل ما ملكه ويملكه من طاقات في الطريق المغاير والمخالف للرسالة التي خلقه الله من أجلها لعاشَ في أرض يدبُّ عليها الخراب والموات والحروب الطويلة القاتلة.

وكما قلت سطر الشعراء والكتاب والمفكرون والباحثون والأنبياء والرسل الكثير من حكم وأقوال وقصائد في هذا المخلوق البديع، ولكن من أجمل ما قيل في هذا الشأن تلك الأبيات الشعرية البديعة المنسوبة لسيد الفصحاء والبلغاء الإمام علي كرم الله وجهه إذ قال:

داؤُكَ فيــــكَ ولا تُبصرُ وداؤُكَ منكَ ومــــا تشـــــعُرُ

أتزعمُ أنك جرمٌ صغيرٌ وفيكَ انطوى العالمُ الأكبرُ

وأنّكَ أنتَ الكتابُ المبينُ بأحرفــــهِ يَظْهَــرُ المُضمَـــرُ

نعم هو ذا الإنسان الذي فيه دواؤه ومنه داءه ولكنه لا يشعر ولا يبصر فيمعن في الفساد والإفساد فيحيل الأرض قبحاً وخراباً وينأى الحب والجمال والخير والرحمة عن حياته.. ما أغرب قلب الإنسان؟! كما هتف يوما ما (دوستويفسكي).

ويحسب أنه لاشيء.. أو لا يشكلّ شيئاً في هذا العالم و في هذا الكون المهيب، ولكن في الحقيقة أنه كل شيء لطالما خصّه الله دون غيره من المخلوقات بالعقل.. نعم ثمة إنسان خيّر مسالم محبّ نيّر يعمل في سبيل صلاح وإصلاح عالمه الصغير والذي بصلاحه يصلح العالم الكبير كل العالم فيزرع المحبة والسلام والفرح ويؤسس لواقع بهيّ ومستقبل حضاريّ أخّاذ من خلال إشاعة مفردات من البداهة أن تُعتبر روتينية، يومية، كالابتسامة والاعتذار والتحية، والموسيقا والشعر ..وهذا ما عبّر عنه فيلسوف ذاك الزمان (أوغسطين) بقوله : كلما نمى الحبّ أكثر في داخلك كلما نمى الجمال أيضاً ، فالحب هو جمال الروح في داخلنا .

وأيضا هو من قال : أحبوا وافعلوا ما شئتم ..

نحن سكان هذي الأرض كم علينا أن نعمل في سبيل بناء إنسانيتنا لكي نكون جديرين بخلافة الله عليها، فالله محبة.. الله جمال… الله سلام، علينا أن نتحلى بالشجاعة لنشر السلام والسلام هنا لا يعني غياب الصراعات بتعبير الـ ( الدالاي لاما) وإنما بحل هذا الصراعات بوسائل سلمية عن طريق الحوار والتعليم والمعرفة.. الطرق الإنسانية ..

وأجمل ما نختم به حديثنا عن الإنسان وأهمية حياته قول النبي محمد (ص): لزوال الدنيا أهون عند الله من سفك دمٍ بغير حق .

عباس حيروقة