ثقافةصحيفة البعث

في ذكرى رحيله.. نهاد قلعي أسس المسرح القومي وشهد ولادة التلفزيون السوري

ينتمي لأسرة معروفة، فعمّه الأديب بديع حقي، وخاله الفنان المعروف توفيق العطري الذي ما إن شهده يلقي إحدى القصائد في إطار تمثيلي مؤثّر في إحدى الحفلات المدرسية حتى همس في أذنه: “ستكون فناناً”، وكانت القصيدة تتحدّث عن الأم وجحود الابن والتي عاد وقدّمها قلعي في تمثيلية “ملح وسكّر”.

تبدد الحلم

ولد نهاد قلعي في دمشق عام 1928 ثم انتقل والده إلى مدينة زحلة حيث كان يعمل، وكان لها أثر كبير في حبّه للفن الذي تجلّى بدايةً في مشاركاته بالاحتفالات المدرسية في المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدارس دمشق، كمدرسة التجهيز الأولى، التي تتلمذ فيها على يد عبد الوهاب أبو السعود، الذي عُرف باهتمامه بالرسم والتأليف والتمثيل والإخراج، وفي تلك الفترة أسند إليه وصفي المالح دوراً في مسرحية “مجنون ليلى”، وما إن حصل قلعي على شهادة البكالوريا حتى بات حلمه قريباً من التحقّق، حلم انتسابه لمعهد التمثيل في القاهرة، وكان خير مشجّع له خاله توفيق العطري الذي أقنع والدة قلعي بتأمين مصاريف سفره من أجل الدراسة بترشيح من زكي طليمات مدير معهد التمثيل في القاهرة، والذي قابله قلعي في إحدى زياراته لدمشق، إلا أن قلعي تعرّض للسرقة قبل انتهاء إجراءات السفر، الأمر الذي بدّد حلمه في التوجّه للقاهرة، فانشغل في العمل.

وفي العام 1946 انتسب إلى نادي أستوديو الشرق لشفيق المنفلوطي، وكانت مسرحية “جيشنا السوري” أولى المسرحيات التي شارك فيها إلى جانب شفيق الأرناؤوط وفؤاد شحادة، وفي العام 1954 قام بتأسيس النادي الشرقي إلى جانب سامي جانو وعادل خياطة وخلدون المالح، وكانت مسرحية “الأستاذ كلينوف” باكورة النادي من الأعمال، والتي قُدّمت على خشبة مسرح اللاييك، ومن خلال دوره في هذه المسرحية اكتشف قلعي نفسه كممثل كوميدي.

في العام 1957 سافر نهاد قلعي إلى القاهرة من خلال مشاركته في مسرحية “لولا النساء” التي قدّمها النادي الشرقي، وكانت من تأليف سامي جانو، الذي عاد وقدّم مسرحية “ثمن الحرية” على مسرح الأزبكية في القاهرة بمناسبة العيد الأول لقيام الجمهورية العربية المتحدة.

مؤسس المسرح القومي

في العام 1959 قام نهاد قلعي بتأسيس المسرح القومي في سورية، وكان مقرّه عبارة عن غرفة مستأجرة، وبعد أن قام أعضاؤه بتقديم مجموعة من الأعمال المسرحية الناجحة تمّ تخصيص مقرّ آخر له سنة 1961 وهو المقرّ الحالي قرب مدرسة دار السلام، وخلال تلك الفترة تسلّم رفيق الصبان الذي تخرّج من لندن منصب مدير المسارح، وقد كان يميل لتقديم الأعمال المسرحية المترجمة، في حين كان قلعي يسعى لتقديم الأعمال المحلية والعربية، فتولى إخراج أول عمل مسرحي للقومي عام 1960 عن نص لمحمود تيمور حملت عنوان “المزيفون”، ومن ثم مسرحية “ثمن الحرية”، فـ”البورجوازي النبيل” لموليير، لتكون مسرحية “مدرسة الفضائح” التي قدّمها عام 1963 آخر مسرحياته للقومي.

وكان قلعي يذكر دائماً أنه استفاد كمخرج مسرحي من الفنان هاني صنوبر الذي كان يحثّ الممثلين على دراسة كلّ حركة يقومون بها، وتحذيرهم من كثرة الحركات على خشبة المسرح، وعندما انطلق “مسرح الشوك” الذي أسّسه الراحل عمر حجو عام 1969، من خلال مهرجان دمشق الأول للفنون المسرحية، كان قلعي أحد المؤسّسين، وقدّم  ثلاثة عروض مختلفة له منذ 1969 حتى أوائل السبعينيات، وكانت عبارة عن لوحات كوميدية ساخرة تميّزت بالجرأة في تسليط الضوء على العديد من الظواهر السلبية في المجتمع السوري.

الإجازة السعيدة

في ظل انشغال نهاد قلعي بالمسرح كانت ولادة التلفزيون السوري الذي عمل به منذ اليوم الأول، حين دعاه مديره صباح قباني للمشاركة في برنامج “الإجازة السعيدة” والذي كان يُعرَض في سهرة الخميس ويضمّ فقرات ترفيهية منوعة، ومن خلاله تعرّف على الفنان دريد لحام الذي تشارك معه فيما بعد في كتابة وتقديم “سهرة دمشق” إلى جانب رفيق سبيعي، وفي هذا البرنامج أطلق قلعي على نفسه اسم حسني البورظان. ومنذ العام 1960 وحتى العام 1976 قدّم قلعي مع دريد لحام عدداً كبيراً من الأعمال التلفزيونية والمسرحية، حيث قدّم عام 1961 مسرحية “عقد اللولو” تأليف دريد لحام سيناريو نهاد قلعي، فمسلسلات “مقالب غوار” و”حمام الهنا” و”صح النوم”، الذي نجح نجاحاً باهراً، وكان من كتابة نهاد قلعي الذي كان يكتب ما يناسب الممثلين، وكان قلعي قد بيَّن أن نجاح “صح النوم” يعود لوجود نص مدروس جيداً، فكان مدرسة فنية تخرّج منها العديد من الممثلين الذين عُرفوا في جميع أنحاء الوطن العربي.

المغامرة في السينما

دخل نهاد قلعي ودريد لحام عالم السينما سوية وكانت لا تزال في بدايتها، لذلك لم يحلما بالنجاح فيها، وكان أقصى ما يريدانه تجنّب الفشل. من هنا عدّها قلعي مغامرة، وقد شاركا في 24 فيلماً، ولكن دون العمل في مجال الإنتاج السينمائي لعدم وجود خبرة لديهما في هذا المجال، مع أن نهاد قلعي كان قد أكد أنه لو عادت الظروف لما تردّد في الإنتاج، لكن بشرط اختيار موضوعات عميقة تتناول مشكلات الوطن العربي: “تجربتنا السينمائية كانت فاشلة ولم يتعامل معنا منتج أو مخرج جيد، ولكن يكفي أننا أوجدنا ممثلين ومخرجين ومنتجين للسينما السورية”.

مسرحيات خالدة

شارك نهاد قلعي في مسرحيتين مع دريد لحام مخرجاً ومحمد الماغوط كاتباً هما “ضيعة تشرين” 1974، وشارك فيها عمر حجو وأسامة الروماني وياسر العظمة، وكان قلعي يرى أنها أفضل عمل مشترك مع دريد لحام على صعيد النص، ومسرحية “غربة” 1976 التي تعرّض فيها لأزمة صحية أبعدته عنها ليحلّ مكانه الفنان تيسير السعدي، وعندما سُجّلت المسرحية في الأردن كان هناك إصرار على وجوده فيها على الرغم من مرضه الذي أوصد أبواب التلفزيون والمسرح في وجهه، فاكتفى كممثل في سنواته الأخيرة بالمشاركة في المسلسل الذي كتبه “عريس الهنا” والكتابة للأطفال في مجلة “سامر” اللبنانية، وكتابة بعض النصوص للتلفزيون التي بقيت حبيسة الأدراج.

وبعد معاناة مع المرض، حيث أُصيب بشلل نصفي منعه من الكلام والحركة بعد تعرّضه لاعتداء في مشاجرة حدثت بعد أن سخر أحدهم منه بمناداته باسم حسني البورظان، رحل في 19 تشرين الأول 1993 وهو يردّد: “لم يكن الفن الوحيد الذي ظلمني.. كثيرون ظلموني”.

وتقديراً لدوره الريادي في صناعة الفن والكوميديا في المسرح والسينما والتلفزيون، منحت جمعية أصدقاء دمشق نهاد قلعي لقب صديق دمشق، وأطلقت اسمه على شارع بحي المهاجرين حيث كان منزله.

أمينة عباس