ثقافةصحيفة البعث

حروب أهل الفن؟

لم تكن الحروب الدائرة بين أهل الفن “الغناء والتمثيل” بشكل خاص، ظاهرة للعلن والتداول بين الناس، وكأنها من الأخبار اليومية المعتادة كما هي الحال اليوم، بعد أن صارت منصات التواصل الاجتماعي، تكتظ بهذه الأخبار التي لا تمتّ للفن بصلة، وهي محكومة عموماً إما بالشخصانية أو بالتحريض والتشويه، بقصد ضرب نجومية تلك الممثلة، أو تشويه سمعة ذلك الفنان، من خلال عرض فاضح لصورة أقلّ ما يقال فيها إنها عادية، لكن الصياغات الصفراء التي تخطّ “المانشيتات” التي تتصدّر عناوين هذه الأخبار، مع بعض تعديلات الفوتوشوب المكشوفة، تشوّش على القراء الذين اعتادوا اليوم هذه الأخبار، وصارت الحروب الشرسة المندلعة بين العديد من الفنانين، حديث الناس على تلك المنصات. والموضوع قد يتطوّر ليصل إلى مرحلة الفضائحية الحقيقية التي يحاول كل طرف فيها زيادة التأثير والضغط، وذلك من خلال ما بات يُعرف اليوم بـ: “الفانزات”، وهناك أيضاً مصطلح “الذباب الإلكتروني”، ومحاكم العالم تغصّ بقضايا من هذا النوع بين حملة راية الفن السامي كما يُفترض، والذي يجب أن يبتعد عنه كل ما هو شخصي، على اعتبار أن المهاترات والحروب الشخصية، لا تعني الجمهور، لكنها اليوم صارت من مواده المفضّلة التي تُفرض عليه فرضاً حتى اعتادها وصار يُقبل عليها، وإلا لما رأينا كل هذا التهافت أو “تهافت التهافت” -على رأي ابن رشد- على تلك الأخبار والبرامج التي تنمو كالفطر والسراخس البرية، مع فارق جوهري، هي أنها –أي تلك البرامج- تنمو في الضوء ويلمع نجمها في العلن، بينما الفطور وما يشبهها في التركيبة البنيوية لها، بحاجة للظل، لذا ربما يكون هذا التشبيه مجحفاً بحق الفطور والسراخس وغيرها!.

هذه الحروب ليست جديدة عموماً على الساحة الفنية بمجملها، وهي قديمة قدم الفنون ذاتها طالما أنها محكومة بالمنافسة الشريفة وغير الشريفة – والأخيرة هي السائدة اليوم – وكانت أخبارها تتسرّب إلى “المغفور لها” الصحافة الورقية أو إلى أحد أنواعها أو ما يشابهها في الشكل ويفارقها بالمضمون، تلك التي كانت تُسمّى بـ “الصحافة الصفراء”، والتي عموماً يفضّلها من كان على سفر، ففيها تسلية وفكاهة وأخبار غريبة عليه وعن المعتاد، لجهة أنها تتعرّض لعالم الفن ومن يخوض فيه، وهؤلاء بالنسبة للجمهور هم نجومهم وأبطالهم على الشاشة وفي المذياع، فهو يراهم دائماً بأفضل تصوّر له عنهم، لذا عندما كان يقرأ خبراً مشيناً – حسب صياغته الفضائحية طبعاً – عن علاقة غرامية طبيعية جداً في الحياة وربما مرّ فيها، لتلك الفنانة مع ذاك الفنان، تصيبه الصدمة وكأن جماعة الفن ليسوا بشراً!.

هذه الصحافة الصفراء لم تعد مقتصرة على المسافرين وقلّة من الناس غيرهم، لأنها وبفضل التقنية، التي من المفترض أن تكون في خدمة البشرية، صارت بيد الجميع، جهاز بحجم الكف، بمتناول الجميع ومن مختلف الأعمار، يضمّ العالم بما فيه، وغالباً ما تتصدّر المانشيتات الصفراء هذا العالم القابع في جهاز، سواء كان في الفن أو السياسة أو الرياضة وغيرها.

اليوم هذه الحرب المستعر أوارها على مختلف وسائل السوشال ميديا وفي العديد من البرامج “الفنية” التي تعتبر أن فضائح النجوم هي مادتها الأدسم، لتحقيق أعلى نسب متابعة ومشاهدة، بين باقي البرامج التي تنحو ذات المنحى، أطاحت وبشكل حاسم بالصورة المتخيّلة للفنان عند الجمهور، فالفنان كان من حملة رسائل المحبة والسلام، وما يحبه الناس فيه هو فنه الذي يقدّمه، لا استعراض المفاتن وإبراز العضلات! ولا يستغربن البعض عندما يعرف أن ثمة العديد من الفنانين، هم أنفسهم ما يثيرون هذه الأخبار عن أنفسهم، ليبقوا على قيد الحياة عند الجمهور، بعد أن صار العمل الفني نفسه محكوماً بشعبية هذا الفنان أو تلك الفنانة، بغضّ النظر عن الكيفية التي نشأت بها هذه الشعبية. اليوم مثلاً هناك أعمال درامية وأغان لا تُشاهد إلا إذا كانت مكتظة بالعري، وربما تشاهد كمتفرج 10 حلقات من مسلسل يمتد لـ 100 حلقة، دون أن تعرف إن كان ثمة حكاية خلف ما يجري من “ثرثرة” لا حواراً، مع استعراض مبهر للسيارات الحديثة والبيوت والأثاث الفاخر، ولسوف تشاهد “أغنية” دون أن تسمع كما يُفترض، فالكثير من تلك “الأغاني” لن يسمع بها أحد إن لم يتمّ تصويرها على طريقة الفيديو كليب، وإن لم تتوفر فيها جرعات عالية من الإثارة الغرائزية التي تعطل بقية الحواس، بحيث تصبح الكلمات واللحن، وكأنها مختبئة أو خجولة فلا وجود فعلياً لها أمام ما يُعرض مما ذكرنا سابقاً.

إنه لمن المعيب والمخجل إنسانياً وبحق الفن، أن يصل للحال التي وصل إليها خصوصاً بين بعض نجومنا، الذين نراهم اليوم وعلى مختلف وسائل الميديا، يتبادلون الاتهامات والتشهير ببعضهم البعض، ليس في شأن فني، بل بالحياة الشخصية، وهناك ما هو واقع وحقيقي، وما هو كاذب وملفق، والأخطر هناك ما هو مُختلق لأسباب صارت مفهومة ومعروفة ومملّة!!.

تمّام علي بركات