دراسات

الإرهاب بالإنابة

هيفاء علي

خلال الحرب العالمية الثانية، ظهرت فكرة في رأس النازيين أن استخدام مجتمعات دول الشيشان، وكازاخستان، وأوزبكستان كأدوات هي أفضل وسيلة لإسقاط الاتحاد السوفييتي. ولاحقاً، تطوّرت هذه الفكرة مع بدء الهجوم في أفغانستان على الاتحاد السوفييتي، حيث ركزت الخطة الأمريكية على استخدام كل القوى والقبائل والميليشيات القادرة على إسقاط النظام “الشيوعي” الذي حكم كابول.

اختارت واشنطن أسوأ “المجاهدين” – كم أطلقت عليهم – لتحقيق هدفها، وتمّت برمجة الرعب في أسوأ أشكاله: القتل، والتعذيب، والاغتصاب، والمجاعة المنظّمة، وتهجير السكان. حتى أسامة بن لادن الذي كان زعيم حرب ثرياً، كان بالنسبة لواشنطن والصحافة الأمريكية بطلاً شجاعاً. هذا  الحلم الأمريكي استغرق عشر سنوات حتى تحقّق مع انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1989.

يدرك مفكرو مؤسسة واشنطن جيداً أنه على الرغم من إغلاق عين موسكو، فإن هؤلاء الحلفاء الإرهابيين مفيدون للغاية بحيث لا يمكن “تسريحهم”. وبالفعل تتظاهر أمريكا بأنها أنجبت ورعت “مقاتلين من أجل الحرية”، حسب دونالد ريغان. وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وهو الهدف الأول الذي حدّدته الإمبريالية الأمريكية، كان الهدف التالي هو الجزائر. بالنسبة لأولئك الذين شاركوا في الحرب الأفغانية، تمّ إعادتهم إلى ديارهم ومعهم تعليمات في حقائبهم: “نقل الجزائر الديمقراطية والشعبية إلى الفوضى”.

حصدت الحرب الجزائرية أرواح مائتي ألف قتيل، لكن الجزائريين تمكنوا من سحق “القاعدة”. في عام 1994، وبالتوازي مع “الأحداث” في الجزائر، أطلقت الولايات المتحدة مرتزقتها في جبال الشيشان لفرض إيديولوجيتهم وتحويل البلاد إلى حكم الشريعة على الطريقة الوهابية. وسرعان ما أصبح هؤلاء “المتمردون” أيقونات في الصحافة الغربية، فهل أنتجت هذه الفوضى الجديدة السعادة؟ هي لم تخلق  سوى الرعب والتعذيب والجرائم بكل أنواعها. وفي نهاية المطاف، تمّ سحق وإبادة هؤلاء المرتزقة، ومن بقي منهم على قيد الحياة وجد ملاذه الجديد في  فرنسا.

في عام 2003، عندما غزت الولايات المتحدة العراق بذريعة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، استولى أبو مصعب الزرقاوي على شمال البلاد، وهو الذي شارك في حملتين في أفغانستان. ولتأسيس معسكره في العراق، استفاد الزرقاوي من المساعدة المشتركة من وكالة المخابرات المركزية والموساد.

في 11 أيار 2004، بثّ الزرقاوي على الإنترنت عملية قطع رأس الرهينة الأمريكي الشاب نيكولاس بيرج، لكن عندما سئم الأمريكيون من مزح مخلوقاتهم تمّ القضاء عليه في 7 حزيران عام  2006. لم يعد الوقت مناسباً للعبث الإرهابي، لقد حان الوقت للترويج لإنشاء ما يُسمّى “الخلافة” للسيطرة على العراق وسورية، وقد أوكلت المهمّة إلى أبو بكر البغدادي، وهو ضابط عراقي سابق، أُفرج عنه عام 2004 من السجون الأمريكية في العراق. وبالفعل نجح الإرهابيون في تدمير ما فشل الغزو الأمريكي في فعله، لكن سورية نجحت، وبثمن باهظ وبمساعدة روسيا وإيران، في مواجهة وسحق هذا الإرهاب المصنوع في الولايات المتحدة.

كانت هناك منافسة بين الجماعات السلفية المختلفة على الأموال القادمة إليها من السعودية وقطر – الدول المخلصة التي تنفّذ الخطة التي رسمت في واشنطن- أي خطة “الشرق الأوسط الكبير” التي يمكن أن تنتقل من إيران إلى المغرب.

في مالي، هناك منافسة شرسة بين المتطرفين، وقد تمّ الكشف عن أن طائرات من قطر هبطت في غاو ذات صباح لتسليم المعدات العسكرية والزي الرسمي والطعام والمال إلى ميليشيا حركة “التوحيد والجهاد الإسلامي”. بينما في النيجر المجاورة فإن جذور الدوحة أقدم بكثير، حيث أصبحت المساجد والمدارس الوهابية واحات لـ “الجهاد”، حتى باتت جنوب البلاد منطقة تجارة حرة يلتقي فيها إرهابيو أمير قطر مع إخوان بوكو حرام.

حتى تدمير ليبيا كان عملاً مشتركاً بين القطري حمد آل ثاني، أمير قطر السابق، وأمير صغير آخر هو نيكولا ساركوزي تحت ستار الإطاحة بـ”الديكتاتور”. لقد تمّ تدمير البلاد وابتلاعها ونهب خيراتها وثرواتها.

هذا الإرهاب بالإنابة، إرهاب الدول الغربية، لا شك أنه يترك وراءه جنوداً لا يفقدون أبداً راديكاليتهم، وغالباً ما يتجهون إلى أوروبا، ويطلبون اللجوء السياسي، ولا يهم إن كانوا قبل بضعة أشهر قاموا بحرق رجل محبوس في قفص حديدي على قيد الحياة، أو قطع رؤوس المدنيين والعسكريين في سورية، وحرق الأطفال وأكل كبد وقلب الجنود السوريين!!.