مجلة البعث الأسبوعية

ظواهر سلبية وأمراض خفية.. النفاق والتملق يسيران برياضتنا نحو المجهول!!

“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار

الجميع ينشد التطور الرياضي ويبحث عنه ويأمل أن يرى رياضتنا في أعلى المصاف، لكن الكثيرين لا يعرفون من أين يبدؤون. البعض يتجه نحو الإمكانيات المالية والتقنية، ويعتقد أن رياضتنا لتتطور بحاجة إلى مال قارون، والبعض يقول إن رياضتنا تحتاج إلى قوانين وتشريعات جديدة وخصوصاً أن بعض الأمور تصطدم بعوائق كثيرة منها ما لا يتلاءم مع القوانين العامة، مثل الأمور الاستثمارية والإنشائية والإدارية، فالكثير من المشاريع الرياضية تجد ما يعيق تنفيذها قوانين أخرى تحكم المؤسسات العامة الحكومية.

ويرى البعض أن البنية التحتية للرياضة، ومنها المنشآت الرياضية، تحتاج إلى البناء والتجديد، ودون وجود ملعب صالح وصالة متميزة لا يمكننا تحقيق أي تطور رياضي وسنبقى نقف مكاننا دون أي تقدم، ويربط البعض عجلة التفوق الرياضي بالمشاركات الخارجية القوية المجدية التي تمنح لاعبينا الخبرة وتزيد من موهبتهم. ومنهم من يجد في المدربين الأجانب الخبراء البوصلة التي تصل باللاعب إلى منصات التتويج القارية والعالمية، وهكذا أمور واقتراحات، وربما جميعها، تحتاج إليها رياضتنا، لأن التطور يحتاج إلى عوامل عديدة ومجتمعة معاً لنحقق القفزة النوعية في الرياضة.

 

طفرات معدودة

منذ أن أبصرت منظمة الاتحاد الرياضي العام النور فإن الانجازات التي تحققت كانت تعد على أصابع اليد الواحدة، وكلها طفرات بسبب وجود مواهب فطرية. وللأسف لم نصنع غادة شعاع، فموهبتها كانت الكشاف والصانع الحقيقي للذهب الذي ما زلنا نتغنى به حتى الآن لأنه ذهب يتيم!

حتى على مستوى كرة القدم، فالمواهب التي تظهر بين الفينة والأخرى هي مواهب فطرية بالدرجة الأولى، ومثل هذه الومضات موجودة في بقية الألعاب، كالملاكمة والمصارعة ورفع الأثقال التي توهجت على الصعيدين القاري والعربي.

واليوم، نعزو كل إخفاق لرياضتنا للأزمة، وقد يكون في هذا الكلام جزءاً من الحقيقة، لكن من الخطأ بمكان أن يكون هذا العذر مبرراً للتكاسل والإهمال والوقوف على أطلال الأبطال والبطولات.

وإذا كان ما سبق من اقتراحات لتطوير الرياضة الوطنية يصب في عين الحقيقة، فإن الأصح أن يكون البناء الرياضي وفق أسس سليمة ونظيفة، فقبل البناء يجب أن نحارب الفساد الموجود في رياضتنا، فما بني على باطل فهو باطل، وللأسف تنتشر في صفوف رياضتنا الكثير من الأمراض المزمنة، والتي تشكل بمجملها عوامل الفساد والإفساد، ومن هذه الأمراض الكذب والنفاق والتملق والمحسوبيات والشللية ويقودها سياسة الكيل بمكيالين، وازدواجية المعايير، والمصالح الشخصية الذاتية.

وهذا كله يولّد الهدر في الوقت والهدر في المال، وإضاعة المواهب وتهجير الخبرات على مبدأ “هذا معي وهذا ضدي”.

لذلك لن ترتقي رياضتنا إن لم نتعامل معها بمنطق وعقل متفتح، فيكون الرجل المناسب في المكان المناسب، ولو اختلفنا معه في الرأي، فالمصلحة العامة تقتضي أن نبحث عن الأصلح والأكثر خبرة ونزاهة.

 

النفاق والتملق

آفة رياضتنا النفاق والتملق، وهذا الأمر موجود، ونجده في الاجتماعات الرسمية والخاصة، وهو منتشر بكثرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والغاية منه التقرب من صاحب القرار مهما كانت صفته أو مركزه، ونجد أن هؤلاء المنافقين يطلقون على أصحاب المراكز صفات ما أنزل الله بها من سلطان، ليست بحقيقية، ولا هي طبيعية، ولا منطقية.

والمسؤلون هنا نوعان: واحد يعرف الحقيقة، ويدرك أن هؤلاء منافقون يتملقون من أجل الحصول على مكاسب معينة، وآخر تغره كلمات المدح والإطراء، ويعيش مع الحالة، وتجده وقد أصبح “عنتر زمانه”! والضرر برياضتنا يأتي من هذا الباب، لأن المنافقين والمتملقين كثر، واعتادوا على التصفيق والتطبيل والتزمير فقط.

وعلى سبيل المثال، فإن أي رئيس ناد أو اتحاد يكثر حوله المنافقون، وهذا ما نجده حياً ولا يحتاج إلى الأدلة والبراهين، فكل قرار يصدره رئيس هذا النادي أو الاتحاد يقابل بالتصفيق، وبعضهم يصفه بالقرار الصحيح أو الجريء، أو القرار الذي كانت تنتظره رياضتنا منذ زمن بعيد، وللأسف قد يكون القرار ارتجالياً وغير محسوب العواقب!

وفي المؤتمرات السنوية، أو التي تعقد بمناسبات مختلفة، لا نجد إلا الذي يرفعون أيديهم بالموافقة، دون أدنى مناقشة لأي قرار قد لا يكون مناسباً وقد يقضي على النادي أو على اللعبة، وكل ذلك حتى يبقى هذا المسؤول الرياضي راضياً على أعضاء المؤتمر وليوزع جوائز الترضية على من يصدقونه ويؤيدون قراره. ولكي نعلم هزالة الموضوع وهذا التأييد فإن جوائز الترضية لا تعدو أن يوضع هذا المنافق في لجنة ما أو أن يكون مراقباً لمباراة ما.

المصلحة الرياضية الوطنية تكمن في الشجاعة والجرأة، وذلك بالوقوف أمام أي قرار خاطئ عبر النصيحة والمناقشة، ثم الاعتراض الرسمي، ثم التحفظ، ونحن بذلك نكون قد أدينا مهامنا على أكمل وجه ضمن الأطر القانونية، لأننا لا نريد من هذا الأمر مخالفة القوانين والأنظمة لأن في ذلك إثم كبير، ونحن نقدس الرياضة وكل قوانينها الموضوعة.

 

العودة عن الخطأ

وكما يقال، فإن العودة عن الخطأ فضيلة ومراجعة الذات هي الباب العريض للإصلاح، لذلك من الطبيعي أن تكون هناك مراجعة دائمة لكل القرارات الصادرة ومدى نجاعتها. ولسنا مع القول بمنح الفرص، فليس كل شخص يستحق أن نمنحه الفرصة، وخصوصاً أولئك الذين دخلوا رياضتنا من الباب الضيق أو الذين دخلوها عبر المحسوبيات والمقربين وغير ذلك، فهؤلاء الأشخاص نتائجهم على الأرض مدمرة لأنهم سيقضون على رياضة كاملة في ناد كبير أو اتحاد لعبة رياضية مهمة.

فما يحدث في نادي الاتحاد – مثلاً – وهو قلعة رياضية شامخة يستوجب إعادة النظر في الإدارة، فـ “المكتوب مبين من العنوان”، وكلما مرّ الوقت ازداد الخطر وبات الوضع ينذر بكارثة رياضية تمارس بحق ناد عريق جماهيري يملك إنجازات وبطولات وهو رافد كبير للرياضة الوطنية.

فالمراجعة تحتاج إلى النظر بعين المصلحة العامة، وتصويب القرار سيكون شجاعة تحسب لمن أصدر القرار، لأنه سيضع النادي على الطريق الصحيح، وكرة القدم في النادي خير مثال، فالحصيلة التي حققها الفريق حتى اليوم لا تتناسب مع حجم فريق الاتحاد وتاريخه وإنجازاته، والقرارات المتخذة لدى الفريق من التعاقدات واختيار اللاعبين والمدربين يدفع ثمنها النادي وجماهيره العريضة، والأخطاء المرتكبة صادرة عن شخص واحد تبين أنه غير جدير بمنصبه وغير مؤهل لذلك، والصواب إبعاد هذا الشخص عن النادي لأن استمراره قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، وخصوصاً أن هذا العضو مخالف لكل الشروط التي تؤهله ليكون عضواَ في النادي، وهنا يكمن الدور السلبي لأولئك الذين يبحثون عن مصالحهم الشخصية والفردية على حساب مصلحة ناد كبير بتزكية شخص غير مؤهل، والمنافقون يؤيدون أي قرار متخذ دون مناقشة، وهكذا تضيع رياضتنا وسط هذه التقلبات والأهواء.

ربما، هذا المثال واضح للعيان، لكن هنالك أمثلة كثيرة في أندية واتحادات تتشابه بهذه الحالة، لكنها لم تطفو إلى السطح بعد، وإن كانت الأقاويل تكثر عنها بمحيطها.

 

المؤتمرات السنوية

وما يحدث في المؤتمرات السنوية دليل كبير على كمية الهدر الذي تعيشه رياضتنا في كافة المفاصل، فحسب النظام الداخلي للاتحاد الرياضي العام فإن المؤتمرات السنوية هي استعراض ما تم إنجازه من أعمال وتقديم ورقة عمل للموسم الجديد، على أن تتم الموافقة على هذا كله من أعضاء المؤتمر، ولأعضاء المؤتمر صلاحيات واسعة ضمن القانون تصل في أعلاها إلى حجب الثقة عن إدارة النادي، أو إدارة هذا الاتحاد أو ذاك.

لكن العكس هو الصحيح، فتأتي المؤتمرات كلاسيكية لا فائدة منها، لأنها لا تطبق القانون، فالعلّة ليست بالمؤتمرات، بل بأعضاء المؤتمر الذين لا يمارسون الصلاحيات التي منحها لهم القانون.

كل الأندية بلا استثناء، وكل الاتحادات الرياضية بلا استثناء، تنال الثقة والموافقة على مؤتمراتها بالإجماع، وإذا تضمن أي مؤتمر بعض المداخلات والحوارات، فإن هذه النقاشات لا تقدم ولا تؤخر، وهي عبارة عن مطالبات بأمور شخصية بحتة، كزيادة الأجور وتأمين التجهيزات وحجز الملاعب والصالات والمراقبة واللجان وما شابه ذلك. أما استراتيجية العمل فهي غائبة كلّياً، وكم من مؤتمر أقيم وجدنا غاية أعضائه توقيع إذن سفر!

ولو افترضنا – على سبيل المثال – أن كل مؤتمرات الأندية سليمة وصحيحة وخطتها واضحة، لما رأينا اهتزازاً بالنشاط الرياضي، وتراجعاً في الألعاب، ومخالفات هنا وهناك، وهدراً بلا طائل للمال.

فألا يستحق ناد ما يصرف في الموسم الواحد أكثر من نصف مليار ليرة سورية على كرة القدم وحدها، ولم يحقق أي شيء بكل فئاته، أن نسأله: أين صرفت هذا المال؟ وإذا كانت الإدارة غير جديرة بهذا العمل، أفلا تستحق أن نحجب عنها الثقة؟

 

اللعب على الحبال

بناء على ما سبق، نلمس كثيراً موضة اللعب على الحبال من أجل تمرير المصالح الشخصية. وهذا التلون بالتعامل مع من هم في سدة القرار، أو مع من هم في مواقع أخرى، لا يفيد رياضتنا لأن الغاية من كل ذلك هو دفع أشخاص نحو أماكن لا يستحقونها وإبعاد خبرات نزيهة لأن وجودها في العمل الرياضي يضر بمصلحة هؤلاء المتملقين والطفيليين الذين وجدوا مصالحهم في الرياضة، وهم بالأصل لا يستحقون أن يكونوا في مدرجات الملاعب مع الجمهور.

وكم نسمع عن بعض الكوادر التي أبعدت عن العمل الرياضي بسبب كلام كيدي وفتنة لا أصل لها، وهذا للأسف يحدث في الكثير من الأندية والاتحادات الرياضية وأيضاً في اللجان العليا والفرعية.

ودائماً، الحلول معروفة وبسيطة، وتكمن في التروي والحكمة بالعمل وإيجاد الأشخاص القادرين على العمل الرياضي من ذوي السيرة الرياضية الجيدة والسمعة الحسنة، وهو ما يتطلب منا ألا نكون سماعين لمن ليس لهم همّ إلا مصالحهم الفردية. ولا بد من إلغاء سياسة “هذا معي وهذا ضدي”، لأنها أوصلتنا – وتوصلنا – بكل سهولة إلى ما نحن عليه من تراجع، فالمقياس الأساس في العمل الرياضي الوطنية والخبرة والسيرة الذاتية الحسنة.

 

مهنة المتاعب

في خضم هذه المعاناة نجد أن وسائل الإعلام غير مرض عنها من أصحاب المراكز الرياضية، فالمطلوب من الإعلاميين أن يكونوا مطبلين ومزمرين، وأن يبيّضوا صفحة رئيس النادي الفلاني، أو رئيس اتحاد لعبة ما، أو حتى مدرب أو لاعب. ودوماً، يصطدم الإعلاميون مع أصحاب القرار عند النقد البنّاء الإيجابي، فرجل الإعلام لا يحتاج رضا أحد، فمهمته كشف الثغرات والعيوب ليتم إصلاحها؛ وبالأصل يتحدثون عن الشراكة الإعلامية، وعليهم تقبل المهام الإعلامية بصدر رحب ما دامت الغاية دوماً تصحيح الأخطاء وتطوير الرياضة، فالإعلامي عين صادقة لكل المسؤولين الرياضيين ينقل الأحداث ويفند الأخطاء، ويضع الملاحظات من ضمن مسؤولية وطنية، كما أكد على هذا الدور الايجابي المناط بالإعلام السيد الرئيس بشار الأسد، فالممارسات الإعلامية، وإن أزعجت البعض إلا أنها تصب ببوتقة العمل الرياضي، لأنها تسهم في كشف العيوب كما أنها تدعم كل الحالات الإيجابية.