مجلة البعث الأسبوعية

.. جدري القرود يصل إلى الشرق الأوسط .. ولكنه يبقى تحت السيطرة حتى وإن انتشر!!

تتزايد أعداد الإصابات بجدري القرود، المرض الفيروسي النادر الذي كان موجوداً حصراً في القارة الأفريقية. ففي 7 أيار الحالي، أبلغت بريطانيا عن اكتشاف إصابة لدى قادم من نيجيريا. وبحلول الـ 20 منه، أبلغت أمريكا وأستراليا وكندا وثماني دول أوروبية على الأقل عن عشرات الحالات المؤكدة أو المشتبه فيها. ويوم السبت، 21 أيار، سجلت إسرائيل أول حالة إصابة مؤكدة بجدري القرود لرجل في الثلاثينات من عمره عاد من رحلة في غرب أوروبا. لكن كثيراً من المصابين غير مرتبطين بالسفر من أو إلى أفريقيا، ما يعني أن العدوى انتقلت محلياً. وهذا الواقع ينذر بالخطر. لكن العالم بعيد عن أن يكون عاجزاً عن المواجهة.

 

ليس وباء

ويتسبب فيروس جدري القرود ببثور جلدية لكنه نادرا ما يكون قاتلاً, ولا يعتبر وباء، وهو ليس مثل فيروس كورونا، ولكنه يعد مرضاً معدياً عادة ما يكون خفيفاً، وهو متوطن في مناطق من غرب ووسط قارة أفريقيا. وينتشر من خلال الاحتكاك المباشر، ما يعني أنه يمكن احتواؤه بسهولة من خلال تدابير مثل العزل الذاتي والنظافة فور تشخيص أي إصابة جديدة.

ولا يوجد لقاح محدد ضده، لكن جرعة من لقاح الجدري العادي توفر نسبة حماية تصل إلى 85% نظراً للتشابه الكبير بين الفيروسين المسببين للمرضين.

والجزء الصعب من العلاج هو التشخيص. فالطفح الجلدي لجدري القرود يشبه إلى حد كبير جدري الماء. ويتطلب تأكيد ذلك إرسال عينات إلى مختبر متخصص مجهز للتعامل مع مسببات الأمراض شديدة الخطورة.

وتشمل أعراض المرض النادر الحمى وآلام العضلات وتضخم الغدد اللمفاوية والقشعريرة والإرهاق وطفح جلدي يشبه جدري الماء على اليدين والوجه.

وتظهر هذه الأعراض في خلال 5 أيام من الإصابة بالفيروس، ويشفى المصابون منه في غضون 4 أسابيع من دون الحاجة إلى رعاية طبية، وقد يؤدي إلى الوفاة ولكن بنسبة بسيطة جداً (1 من كل 10 أفراد).

أما إذا كانت الحالة خطيرة، فيفيد أخذ لقاح الجدري، إذ ثبتت فعاليته ضد هذا الفيروس، كما أن الأدوية المضادة للفيروسات فعالة أيضاً.

 

حالات انتشار غير نمطية

وتعمل منظمة الصحة العالمية على تقديم مزيد من التوجيهات للدول بشأن كيفية الحد من انتشار جدري القرود وسط مخاوف من احتمال زيادة عدد الإصابات خلال أشهر الصيف. وقال ديفيد هيمان رئيس المجموعة الاستشارية الاستراتيجية والتقنية للمنظمة إن المفهوم العملي المعتمد على الإصابات التي تم تسجيلها حتى الآن هو أن التفشي الحالي ناجم عن الاتصال الجنسي، وتم اكتشاف كثير من الإصابات الحالية في عيادات الصحة الجنسية.

كذلك قال هيمان إن الاختلاط المباشر هو الوسيلة الرئيسية لانتقال الفيروس، لأن الطفح الجلدي المصاحب عادة للمرض معدٍ للغاية. وعلى سبيل المثال، يكون الآباء والأمهات الذين يعتنون بأطفال مرضى معرضين للخطر، وكذلك العاملون في القطاع الصحي، وهذا هو السبب في أن بعض الدول بدأت في تطعيم الفرق التي تعالج مرضى جدري القرود باستخدام لقاحات الجدري.

وقالت المنظمة إن حالات الانتشار الأخيرة للمرض “تعتبر غير نمطية، إذ أنها تظهر في دول لا يعتبر المرض متوطناً فيها”. وحذّر هانز كلوغ، المدير الإقليمي للمنظمة في أوروبا، أنه “مع دخولنا فصل الصيف.. وما يحدث خلاله من تجمعات جماهيرية ومهرجانات وحفلات، فإني أشعر بالقلق من احتمال تسارع انتقال العدوى”.

وأضاف أن جميع حالات الإصابة الأخيرة، باستثناء واحدة، لا صلة لها بالسفر إلى مناطق يعتبر فيها جدري القرود مرضاً متوطناً. ويضيف: إن تفشي المرض في 11 دولة لا يتوطن فيها أمر غير معتاد.

 

الإصابات

وقد تأكد ظهور إصابات بالمرض في العديد من الدول الأوروبية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وكندا وأستراليا.

وبحسب هيئة الصحة الوطنية البريطانية، فإن المرض نادر، وعادة ما يكون مصحوبا بأعراض طفيفة يتعافى منها معظم المصابين في غضون أسابيع قليلة. ولا ينتشر الفيروس بسهولة بين البشر، ويُقال إن الخطر الذي يشكله على الصحة العامة ضئيل جدا.

ومن الأمور المشجعة أيضاً أن فيروس جدري القرود ليس قوياً بحيث يمكن وقف انتشاره الواسع بين البشر، ولا يملك إمكانات كبيرة للعدوى كما تفعل الحصبة على سبيل المثال.

وكما هي الحال مع فيروسات الجدري الأخرى، يكون المرض أكثر حدة عند الأطفال الصغار والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة. لكن خطورة الأمر تعتمد على أي من سلالتي الفيروس التي نتجت منها الإصابة.

فالسلالة الأولى تفشت سابقاً في حوض الكونغو، ولم تزد أخطارها المميتة عن 10%، أما السلالة الأخرى التي ظهرت في غرب أفريقيا فهي أقل حدة، حيث يقدر معدل الوفيات الناتجة منها بحوالي 1% فقط.

وتمت الموافقة على لقاح جدري القرود الذي طورته شركة “بافاريان نورديك”، وهي شركة دنماركية للتكنولوجيا الحيوية، من قبل السلطات الصحية الأميركية عام 2019. كما تمت الموافقة أيضاً على لقاح آخر، ثبت أنه فعال. وتقول المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها إن اللقاح يكون مفيداً للغاية إذا تم إعطاؤه قبل أو في غضون أربعة أيام من التعرض للفيروس. وحتى إذا تم إعطاؤه لمدة تصل إلى 14 يوماً بعد الإصابة، فقد يظل مفيداً عن طريق تقليل الأعراض. وتشير الأدلة من الدراسات التي أجريت على الحيوانات إلى أن بعض الأدوية المضادة للفيروسات المستخدمة لفيروسات الجدري الأخرى قد تكون مفيدة أيضاً.

وتم اكتشاف فيروس جدري القرود لأول مرة في الدنمارك، لدى أحد قرود المختبر، ولكن يُعتقد أنه يؤوي في الغالب قوارض صغيرة في أفريقيا. ففي القارة السمراء، تتم الإصابة في عديد من الحالات من طريق الحيوانات البرية، عندما يتم اصطيادها أو التعامل مع اللحوم النيئة أو أكلها. ولكي ينتشر فيروس جدري القرود من شخص إلى آخر يتطلب الأمر حصول اتصال وثيق، إذ ينتشر من خلال قطرات السعال أو العطس التي تدخل الأنف أو الحلق أو العينين. ويمكن أيضاً التقاطه من خلال ملامسة جلد أو ملابس الشخص المصاب الذي ينقل الفيروس من البثور أو الجرب، وكذلك من خلال المخالطة والاستعمال المشترك للفراش أو المناشف. وتظهر الأعراض عادة بعد خمسة إلى 21 يوماً من الإصابة.

ومع ذلك، يجب أن يكون احتواء فيروس جدري القرود أمراً سهلاً نسبياً. إذ يمكن أن يؤدي عزل الحالات المؤكدة أو المشتبه فيها وتتبع جهات الاتصال المحتملة المصابة إلى إيقاف سلاسل الانتقال. ومن المحتمل أن يتم استخدام لقاح الجدري للتطعيم “الدائري” للمخالطين القريبين للأشخاص المصابين والعاملين الصحيين المعرضين لخطر كبير.

في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، سيتم بالتأكيد اكتشاف مزيد من حالات جدري القرود. لكن من غير المرجح أن ينتشر تفشي المرض خارج نطاق السيطرة. وبالمقارنة مع وباء كورونا، الذي لم يكن العالم مستعداً له في وسائل العلاج واللقاحات، يبدو جدري القرود، حتى الآن، في الدائرة التي يمكن السيطرة عليها.

 

تاريخ

وكان أعلن في عام 1980 أعلن عن التخلص من فيروس جدري القرود، بعد 22 عاماً من اكتشافه في عام 1958، وانتشاره في العديد من أنواع الحيوانات. وفي عام 1970 تم تحديد أول حالة بشرية مصابة بهذا الفيروس في طفل يبلغ 9 سنوات، وينتشر هذا الفيروس في بلدان مثل نيجيريا، والكونغو. ويصيب الآلاف، حيث يبلغ عدد المصابين سنوياً حوالي 6000 مصاب، منهم 3000 من نيجيريا فقط.

وفي عام 2003 تم تشخيص 47 حالة مصابة بجدري القرود في الولايات المتحدة الأميركية، التقطوا الفيروس من الكلاب التي أحضرت من غانا، وكذلك ينتشر هذا الفيروس عن طريق الاتصال المباشر والقريب من الحيوان، أو الشخص المصاب.

بناءً عليه، أعلنت المنظمات الصحية في أوروبا أنه يوجد أكثر من 100 حالة مصابة بجدري القرود في الوقت الحالي وفي دول مختلفة في القارة مثل بريطانيا، وألمانيا، وإسبانيا، والبرتغال، وبلجيكا، وفرنسا، حيث تم تشخيص أول حالة في إنكلترا لشخص عائد من نيجيريا، لكن باقي الحالات لم تزر نيجيريا نهائياً، وهذا يدل إلى أن الفيروس انتشر عن طريق التواصل مع الشخص المصاب.