ثقافةصحيفة البعث

“المعضلة الاجتماعية” الحياة اليومية التي نعيشها

يبدأ فيلم “المعضلة الاجتماعية”، وهو فيلم وثائقي -إنتاج المنصة العالمية نتفليكس وإخراج جيف أورلوفسكي وكتابة أورلوفسكي وديفيز كومب وفيكي كورتيس، بشكل عرضي حيث يستقر الأشخاص الذين تمت مقابلتهم على مقاعدهم، ويأخذون آخر رشفات من القهوة، وإجراء محادثة قصيرة بأصوات باهتة خارج الشاشة، هذا الجزء من الفيلم الذي من المفترض أن يتم قطعه في عملية المونتاج جاء لدفع المشاهد لرؤية موضوعاته ليس كقادة شركات أقوياء وأثرياء، بل كأشخاص عاديين يشعرون بالقلق قبل الظهور أمام الكاميرا، على الرغم من كونهم صمموا واستثمروا منصات التواصل الاجتماعي التي يشرحها الفيلم، لكنهم ليسوا الأوغاد. في الواقع الشرير الوحيد في الفيلم هو خوارزمية الذكاء الاصطناعي القائمة على الربح والتي تتحكم ليس فقط في حياتنا الاجتماعية ولكن أيضاً علاقتنا بالفن والثقافة.

يجلب الفيلم خبراء الصناعة -الأشخاص الذين اعتادوا أن يكونوا من كبار الشخصيات في شركات مثل فيسبوك، انستغرام، غوغل وتوتير، كل بضع دقائق يخرجون ببعض الأدلة الدامغة التي تجعلك تتوقف في مساراتك وتعيد التفكير في علاقتك الكاملة بهاتفك، وتتخلل كل هذه المقابلات الدراما الخيالية التي تركز على عائلة واحدة.

خوارزمية الإدمان

يرسم فيلم “المعضلة الاجتماعية” صورة مقلقة لمدى إدمان الإنسان على وسائل التواصل الاجتماعي وكيف استفادت هذه الشبكات منه، مما دفع شركات التكنولوجيا إلى أن تصبح قوى عالمية من وراء هذه العملية، يتعمق الفيلم في مشاكل الإدمان والصحة العقلية حيث يتم شرح نموذج العمل الإعلاني لمنصات مثل غوغل وفيسبوك فيشرح تيم كيندال الرئيس السابق لتحقيق الدخل في فيسبوك، هدف جميع شركات الإنترنت: “دعونا نتعرف على كيفية جذب أكبر قدر ممكن من انتباه هذا الشخص، ما المقدار الذي يمكن أن نقدمه لك في حياتك؟” ثم يخوض الفيلم في التفاصيل حول كيفية قيام شركات الإعلام مثل Facebook وTwitter و Google بجمع كميات وفيرة من البيانات من كل مستخدم وكيف يستخدمون هذه البيانات لكسب المال.

“إذا كانت هذه الشركات تساوي مئات المليارات من الدولارات فلماذا؟، نحن لا ندفع لهم، فمن يدفع إذاً؟” هذا ما تقوله فيكي كورتيس إحدى العاملين في الفيلم “إن المعلنين يدفعون مقابل توجيه إعلاناتهم إلى الأشخاص الذين سيكونون الأكثر عرضة لهذا الإعلان”، مضيفة أنه لتحقيق النجاح في القيام بذلك، ابتكرت الشركات خوارزميات لجذب المزيد من الأشخاص إلى المنصات، وإبقائهم مشاركين لفترة أطول والتعرف على بيانات المستخدم لاستهداف الأفراد بشكل أفضل، ولكن في حين أنه يبدو بريئاً بما يكفي لإعجاب بعض الصور والتمرير عبر موجز متصفح، إلا أن النتائج يمكن أن تكون كارثية – وقد كانت كذلك.

“الخوارزمية غير مبالية بشكل جذري، فهي لا تعرف أنها تتفاعل مع الناس”، المطلعون على صناعة التكنولوجيا الذين ابتكروا زر الإعجاب على Facebook، والعديد من العناصر الأخرى التي تساعد في صنع وسائل التواصل الاجتماعي لم يدركوا أن هذه الاختراعات البسيطة ستؤثر في تغيير نسيج المجتمع بشكل جذري.

نصائح

يدخل الخوف والتشاؤم إلى نفس المشاهد، ولكن في نفس الوقت أعطى القائمون على الفيلم بعض النصائح للحد من الإدمان، فتأتي النصيحة الأولى من جارون لانيير الذي عُرف باسم الأب المؤسس للواقع الافتراضي حيث يقول “اختر أنت ما تريد مشاهدته دائماً.. هذه طريقة أخرى للقتال”، بدلاً من ترك الخوارزميات ترشدك، من الأفضل البحث عن الفيديو التالي الذي تريد مشاهدته.

أما النصيحة الثانية فكانت عدم مشاركة المحتوى عبر الانترنت قبل التحقق منه. أي “تأكد من الحقائق، ضع في اعتبارك المصدر، وقم بهذه الخطوات الإضافية”. النصيحة الثالثة كانت تخص الأطفال حيث تدعم فكرة عدم استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي وتمسك العديد من التقنيين الذين ظهروا في الفيلم الوثائقي بهذه القاعدة، مثل أليكس روتر، نائب الرئيس الأول للهندسة في “تويتر” إن أطفاله لا يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي على الإطلاق، وقال تيم كيندال المدير السابق في فيسبوك إنه يصر على ذلك “نحن لا ندع أطفالنا يقضون أي وقت أمام الشاشة”.

النصيحة الرابعة هي ترك جميع الأجهزة خارج غرفة النوم في وقت محدد كل ليلة كطريقة للعائلات لوضع حدود لاستخدام الهاتف في المنزل، وفقاً للتقنيين والخبراء هذه مجرد نصائح لتقليل استخدام الهاتف وتطبيقات الوسائط الاجتماعية والتكنولوجيا التي تسبب الإدمان.

على الرغم من أهمية الموضوع المقلق الذي يطرحه الفيلم والنصائح التي يقدمها، وجرس الإنذار الذي يدق الآن لتفادي الأزمة التي ستحصل فيما بعد، إلا أنه هناك دائماً وجهان للعملة الواحدة، وهناك ظلال رمادية في كل مكان، في عالم وسائل التواصل الاجتماعي. تظل الحقيقة أن اختياراتنا تحدد كيفية تفاعلنا مع العالم، مثلاً عندما نختار أن نأكل وجبات سريعة ونحن نعلم أنها ليست جيدة لنا، إلا إذا كنا نستهلكها بشكل غير منتظم، وبالمثل يجب أن نكون قادرين على التحكم في الوقت الذي نقضيه على الإنترنت، والرغبة في المبالغة في مشاركتنا فيه من خلال تجنب الرغبة في نشر الصور الشخصية وما إلى ذلك والتي لا يلزم نشرها، يجب أن نختار عدم المبالغة في أي شيء، يجب أن نختار أن نكون منضبطين، يجب أن نختار الابتعاد عن هواتفنا الذكية لفترات طويلة من الوقت، التوازن كما هو الحال هو المفتاح دائماً.

عُلا أحمد