ثقافةصحيفة البعث

غرف الصدى… المعرفة على حد واحد

يقول فولتير: “قد أختلف معك في الرأي ولكني مستعد أن أدفع حياتي ثمناً لحقك في التعبير عن رأيك”، وهناك مقولة “الاختلاف لا يفسد للود قضية” وغيرها الكثير من العبارات التي تتحدث عن الآراء المختلفة ومحاولة تقبلها، لكن ما يحدث في عالم انفتح على بعضه بشكل كبير، هو أن المرء أصبح قادراً على معرفة كل شيء من بيته، ومن خلف شاشة جهازه الصغير أن يتقوقع على ذاته ويحصن نفسه بالأفكار التي عرفها دون غيرها.

في البداية كان من المتوقع أن يكون الإنترنت مصدراً مفتوحاً وديمقراطياً للمعلومات، لكن الخوارزميات غالباً ما توجهنا نحو المقالات التي تعكس تفضيلاتنا الأيديولوجية، وعادةً ما تردد نتائج البحث ما نعرفه ونحبه بالفعل. ونتيجة لذلك، فإننا لا نتعرض لأفكار ووجهات نظر أخرى، بل تتعرف مواقع الويب على اهتماماتنا بشكل أفضل، وتتحسن أيضاً في تقديم المحتوى الذي يعزز تلك الاهتمامات، مع تصفية تلك الأشياء التي لا نحبها بشكل عام، لذلك تعتمد شركات وسائل التواصل الاجتماعي على الخوارزميات التكيفية لتقييم اهتماماتنا وإغراقنا بالمعلومات التي ستبقينا نتصفح، إذ تتجاهل الخوارزميات حداثة وتكرار ما ينشره أصدقاؤنا، وبدلاً من ذلك تركز على ما “نحب” و”إعادة تغريد” و”مشاركة” لمواصلة تغذية محتوى مشابه لما أشرنا إليه ويجعلنا مرتاحين، وكأنه يطبق المثل القائل “الطيور على أشكالها تقع”.

مصطلحات عديدة

هنا تظهر مسائل ومصطلحات عديدة مثل “التحيز التأكيدي” الذي هو ميل الإنسان الطبيعي للبحث عن معلومات جديدة وتفسيرها وتذكرها وفقاً للمعتقدات الموجودة مسبقاَ. والذي يعد سمة عالمية فطرية تظهر عبر الثقافات، إنه جزء منا جميعاً، وهناك “الفقاعات المعرفية” والتي تحدث عندما لا يتعرض المطلعون لأشخاص مختلفين أو من الطرف النقيض والمغاير عنهم، أما مصطلح “غرف الصدى” فهي ما يحدث عندما يشعر المطلعون بعدم الثقة في كل شخص من الخارج.

مثلاً قد تتشكل فقاعة معرفية على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، فعندما يحصل شخص ما على كل الأخبار والحجج السياسية من “فيسبوك” ويشارك جميع أصدقائه على نفس الموقع وجهات نظرهم السياسية، يكونون في فقاعة معرفية، أي أنهم يسمعون الحجج والأدلة فقط من جانبهم من الطيف السياسي وبالتالي لم يتعرضوا أبداً لآراء الطرف الآخر، وتقود غرفة الصدى أعضاءها إلى عدم الثقة في الجميع خارج تلك الغرفة، وهذا يعني أن ثقة المطلعين الآخرين يمكن أن تنمو بلا رادع.

أيضاً توفر الشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت التي يمكن أن يكون المستخدمون فيها مستهلكين ومنتجين للمحتوى، مثل توتير وفيسبوك، كوسائل لتبادل المعلومات بطريقة شبه فورية وغير مكلفة وغير وسيطة، مما يشكل ركيزة لنشر المعلومات بقدرات غير مسبوقة، فقد غيرت قنوات الاتصال الجديدة هذه بشكل كبير الطريقة التي نتخذ بها القرارات، أو نشكل الآراء السياسية، أو نصطف أمام قضايا مختلفة، أو نختار بين تبني الخيارات التكنولوجية المختلفة.

لماذا يجب أن نهتم؟

توصلت أبحاث عديدة عن بنية الشبكات الاجتماعية الحديثة إلى أن غرف الصدى تعزز الاستقطاب والانقسامات في مجتمعنا، ومن الشائع أن يكون هناك شعور بعدم الارتياح بسبب الانفصال بين الغطاء الدافئ لمجتمع الوسائط الاجتماعية المتشابه في التفكير والواقع البارد لعالم حقيقي مليء بوجهات النظر الصعبة.

يرى أحد الباحثين أن العقول تسعى للحصول على تأكيد باعتباره رد فعل غير عادي حتى بعد أن نكون قد شكلنا فكرة للتو، وبعد ذلك سوف ندافع عن الاستنتاجات الفورية بنفس الحماس مثل المعتقدات الدينية. إنه أمر محبط، ولكن هذه هي العقول التي لدينا، لذا فإن الأمر متروك لنا لبناء بيئة عبر الإنترنت تشجع عقولنا الكسولة على تفجير فقاعة التأكيد والتحيز والنظر في جميع الزوايا المتاحة.

ما تحاول معظم الخوارزميات فعله هو زيادة المشاركة وزيادة مقدار الاهتمام الذي تنفقه على تلك المنصة، وعلى الرغم من أنه من الجيد أن يكون لدينا أداة تساعدنا في التعامل مع خاصية إطفاء المعلومات، إلا أن هذه الخوارزمية لها أيضاً بعض الجوانب السلبية فالخطر هو أن ينتهي بك الأمر بشكل متزايد إلى عدم رؤية ما يراه الأشخاص الذين يفكرون بشكل مختلف وفي الواقع لا يعرفون حتى أنه موجود.

عُلا أحمد