تحقيقاتصحيفة البعث

العمالة الأجنبية.. استنزاف اقتصادي ودخول بطرق غير شرعية!!

في الوقت الذي يوحي به المشهد العام بتردي الواقع المعيشي في ظل التضخم ومنعكساته السلبية على ارتفاع أسعار جميع السلع والمواد، نجد أن شريحة واسعة من مجتمعنا مازالت تحافظ على “برستيجها” أمام المجتمع، والذي لا يمكن أن يتخلى عنه حتى لو اضطرت للاستدانة كرمى المحافظة على الصورة البرّاقة والمزيفة في كثير من الأحيان أمام الآخرين، ولعل أهم مقومات هذا “البرستيج” وجود عاملات منزليات أجنبيات في المنزل، إذ ينبئ مؤشر تفاقم العمالة الأجنبية في سورية إلى استنزاف اقتصادي قادم ما لم يتم إيجاد حل جذري لدخول هذه العمالة التي يبدو وفق معطيات سوق العمل أنها تسبب حالة ضغط على النقد الأجنبي، وحالة من عدم استقرار سعر الصرف، فتكاليف استقدامهن بالعملة الصعبة يشكّل نزيفاً اقتصادياً للبلد، لأن هذا المبلغ يذهب للخارج في غير جدوى أو منفعة اقتصادية، لاسيما أن عددهن يزداد مع كل عام بشكل قانوني أو بشكل بعيد عن مظلة القانون، خاصة أن وباء كورونا، وإغلاق المطارات لفترة، ومنع دخول الأجانب إلى البلد، كلها لم تقف في وجه تهريب هذه الفئة إلى الداخل التي اصطفت إلى جانب باقي السلع التي يتم دخولها إلى سوقنا بشكل غير شرعي!.

تجاوزات
بالرغم من أن عدد مكاتب استقدام العاملات المنزليات من غير السوريات “20” مكتباً منذ 2013 حتى آذار الماضي، و177 عاملة منحن الموافقة، حسب إحصائية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، إلا أن الواقع يكشف عن وجود عدد من المكاتب لتشغيل العاملات السوريات، لكنها “غير مرخصة” تعمل بشكل غير قانوني ولا تقوم بتطبيق تعليمات ترخيص المكاتب الخاصة لاستقدام العاملات غير السوريات، ولكن تنخفض أجرة عملة المكتب وراتب العاملة إلى النصف تقريباً، كما تقوم بعض المكاتب، حسب ما أكدته لنا سيدة استقدمت عاملة من هذه المكاتب، باتفاق مسبق مع العاملة للهروب من عملها بحجة تأمين عمل آخر بأجر أعلى، والهدف من ذلك إعادة تشغيل العاملة في منزل آخر للاستفادة أكبر قدر ممكن منها في الحصول على عمولة مكتب لمرات عديدة، حيث أكدت دالين فهد مديرة القوى العاملة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن قيمة الربح الذي أجازه القانون السوري لمكاتب استقدام العاملات الأجنبيات حسب القرار 684 لعام 2014 الذي ينص على استيفاء المكتب من طالب العمل المسجل الذي يتم تأمين فرصة العمل له بدل أتعاب لمرة واحدة بنسبة 3% كحد أعلى من كتلة الأجور السنوية للعامل، ويستوفي المكتب من المستفيد بدل أتعاب بنسبة 10% عن السنة الأولى من مجموع قيمة أجر العامل السنوي المتفق عليه ما بين المستفيد والعامل، ونسبة 5% من مجموع قيمة أجر العامل السنوي عند تجديد كل عقد، وإذا كانت المدة المحددة للعقد المبرم بين الطرفين تقل عن السنة احتسبت نسبة البدل من كتلة الأجور عن مدة العقد.

تهريب غير شرعي
وعلى الرغم من نفي مديرة القوى العاملة إعطاء أي ترخيص لمكاتب جديدة لاستقدام العاملات الأجنبيات خلال فترة وباء كورونا، إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك، فمن خلال تواصلنا مع عدد من المكاتب أكدوا لنا أن عمولة المكتب لاستقدام الفلبينيات والأندونيسيات حتى آذار الماضي كانت 8000 دولار، في حين يصل راتب العاملة الفلبينية إلى 300 دولار شهرياً، والأندونيسية ذات الخبرة باللغة العربية 225 دولاراً، ولا تقبل هذه المكاتب التعامل سوى بالدولار بالرغم من وجود قانون يمنع التعامل بغير الليرة السورية، وأكد أصحاب المكاتب على عدم استقدام عاملات أجنبيات منذ آذار الماضي بسبب منع دخول الأجانب عبر المطارات، إلا أنه بإمكانهم تأمين عاملات من بعض الأسر التي استغنت عنها نظراً لاضطرارهم للسفر أو استبدالهم بعاملات سوريات، كذلك لم ينف أصحاب بعض المكاتب استحالة تأمين عاملات غير سوريات اليوم من خلال دخولهن بطريقة غير شرعية إلى البلد، ولكن مع تكلفة تصل إلى ضعف المبالغ المذكورة نظراً للمتاعب التي يتعرّضون لها أثناء قيامهم بهذه العملية، الأمر الذي نفته وزارة الشؤون بتأكيدها عدم تهريب عاملات أجنبيات بطريقة غير شرعية، فالعاملات المنزليات يدخلن القطر من المعابر الحدودية النظامية، وبموافقات مسبقة، ويتم منحهن ترخيص العمل وتوثيق العلاقة بالمستفيد بعقد عمل أصولي، والتسجيل في صندوق إصابات العمل في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وتتم الرقابة على المكاتب المرخصة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل من خلال جولات تفتيشية، وتتم متابعة عمل المكاتب بشكل مستمر من خلال وجود سجل الكتروني خاص لكل مكتب، وأرشفة كافة الوثائق المتعلقة به الكترونياً.

عمالة سورية
مديرة القوى العاملة لم تخف وجود عمالة منزلية سورية قبل الأزمة، لكنها لم تكن محمية، لذا نظم القانون رقم 10 لعام 2014 أحكام وشروط ترخيص المكاتب الخاصة لاستقدام العاملات في المنازل من السوريات، والذي من شأنه أن يؤمن الحماية للعمالة المنزلية السورية، وهناك التزامات خاصة بالمكاتب المرخصة لهذه الغاية، والتزامات خاصة بالمستفيدين من خدمات العاملة، ويترتب على الإخلال بها فرض عقوبات، إذ توجد حصة من العمالة الوطنية للعاملات المنزليات السوريات من حجم سوق العمل، حيث تم الترخيص لمكتبين في العام الماضي وهذا العام لتشغيل العمال المنزليين السوريين، ومن الطبيعي أن وجود قانون يحمي العمال المنزليين سيشجع الكثيرين على القيام بهذه الأعمال.

ميس بركات