مجلة البعث الأسبوعية

بين الأدب والصحافة والنقد

“البعث الأسبوعية” ــ سلوى عباس

كيف تصبح ناقداً أدبياً؟ سؤال طرحه د. صلاح السروي في كتابه: “في مقدمات تأسيسية في الأدب والنظرية النقدية”، ويرى أنه يساعد القارئ والباحث في استيعاب تذوق النصوص الأدبية وتاريخها وجمالياتها، وسعى لتقديم المصادر والمنطلقات التي خرجت منها الفنون والآداب بمختلف مكوناتها، اعتماداً على مقولة “خروج الجميل من النافع” التي تتبعها المؤلف منذ العصور البدائية حتى تكوّن وتبلور الأنواع الأدبية والفنية المعروفة؛ ويختم د. السروي كتابه بالحديث عن الاتجاه الاجتماعي “الفن باعتباره انعكاساَ”، وركز على دراسة مفهوم الواقعية، وهو ما بنى عليه النقاد الكثير من التطلعات النقدية في الفن والأدب.

بالمقابل، هناك وجهة نظر لبعض الأدباء ترى أن الرواية العربية لم ترق إلى مستوى الرواية الأوروبية، وبالتالي النقد لم يرق إلى مستوى النقد الأوروبي، وبعضهم لا يعرفون كيف يتعاملون مع الرواية، وفي حقيقتهم عاجزون عن عرض كتاب، فكيف بنقده! وعند السؤال عن سبب عدم تكوّن حركة نقدية لدينا تستوعب ما يكتب، وتحلله تحليلاً موضوعياً، يأتي الجواب: الناقد ليس قارئاً ممتازاً فحسب، بل هو الرجل الذي يعمل على خريطة غنية تحتوي على الأدب والحياة معاً، فأي شخص يستطيع أن يكتب رواية أو قصة، إذ لدى كل واحد منا حياته التي هي قصته الشخصية، لكن هل لديه القليل من الخبرة كي يكتبها؟ فالنقد يحتاج، عدا النظرة العميقة والخبرة الحياتية، إلى ثقافة حقيقية، وهذا كله لا يكتمل ويؤدي دوره إلا بقدر كبير من الأمانة، فالناقد سلطة ينبغي أن تكون أمينة، وإلا قادته سلطته إلى الغرور، ومن ثم إلى الشر؛ ففي نظرة إلى تاريخ الأدب، نرى أنه لدينا عشرات – إن لم نقل مئات – الشعراء والروائيين والقصاصين، مع عدد محدود جداً من النقاد، لذلك ليس غريباً ألا يكون لدينا في بلادنا العربية سوى بضعة نقاد كبار، يُنتظر منهم الكثير – ربما أكثر من طاقتهم – كرّسوا جهودهم للرواية، والأمل معقود عليهم كي يقولوا لنا ما الذي يُكتب اليوم!! وبخصوص الصحافة الثقافية، من الضروري أن يتحلى كتابها بالكثير من التواضع إزاء الأعمال الأدبية، وعدم التورط في إصدار أحكام قاطعة وجائرة، أو تقريظية منحازة، لأن الصحافة الثقافية دليل لعمل الناقد الذي لا يستطيع ملاحقة كل ما يكتب، وإنما بالواعد، وما يثير الفضول منها.

وإذا توقفنا عند السؤال: أين موقع النقد في الصحافة الثقافية؟ يأتي الجواب أن كل ما يكتب يأتي في مجال المديح الشخصي، أو الذم؛ وحتى نقول عن النقد أنه منهجي، يجب أن يبتعد عن الشخصنة، وعن مهاترات الصحافة؛ لكن إذا توقفنا عند مقولة “لكل مقام مقال” فإن لكل زمن أدباءه ونقاده أيضاً، وما نراه من نتاجات تطرح – الآن – تحت مسمى “أدبية”، وتتنوع ما بين الشعر والقصة وحتى الرواية، كثير منه لا يمتلك المقومات الأدبية التي تصدّره نتاجاً إبداعياً يؤسس لجيل شعري أو روائي؛ وإذا كان ثمة تأسيس على ما سبق، فإن النقد لعب دوراً مهماً في تطوير الحركة الثقافية العربية، ومصر وسورية خير شاهد على ذلك.

نعم!! نحن بحاجة إلى نقد يواكب التطور الإبداعي في الأدب والفن، والكتابة الصحفية في هذا المجال لا تكفي، وربما لا تنفع! أما من حيث مواكبة النقد للحركة الأدبية، فإن النقد لم ينصف الكثير من النتاجات الأدبية لكثير من الأدباء، واقتصر الأمر على بعض الانطباعات؛ ولو تم رصد أسماء من يكتب عنهم كتابات غزيرة من شعراء وروائيين لتبين أن هذه الكتابات نابعة من سلطة مادية أو معنوية أو منبرية، أكثر من قيمتها الأدبية؛ وكذلك الملتقيات الأدبية والندوات، بقدر ما تحمل من إيجابيات يقابلها سلبيات أيضاً، فجميع العلاقات الحميمية في الكواليس تقوم على المصالح المتبادلة فقط، ما يعني غياب النقد الموضوعي، وبالتالي لا يمكننا الحديث عن حركة نقدية مواكبة للحركة الإبداعية.