مجلة البعث الأسبوعية

طرطوس.. جمعيات خيرية على الورق فقط.. مجالس إدارات مترهلة وتهم بالفساد وشبهات بتحقيق منافع خاصة

“البعث الأسبوعية” ــ لؤي تفاحة

من رحم الأزمة التي دخلت عامها العاشر، ولدت عشرات الجمعيات الخيرية في طرطوس، كان شعارها الأول وهدفها المعلن “من تسميتها” تقديم العون والمساعدة المختلفة للعائلات الأكثر فقراً، وتلك التي فعلت تداعيات الحرب فعلتها الكارثية فيها، وما أحدثته من فجوات وندوب في مستوى استقرارها الاجتماعي والصحي النفسي منه والجسدي، والغذائي والتعليمي، وربما في ذاكرتها الجمعية بشكل كلي، ويبقى كم الأسئلة التي فرضت نفسها بقوة أمام جموع المواطنين الذين يطرقون أبواب هذه الجمعيات المقفلة دوماً بوجوه هذه الأسر حاضرة بقوة، وتحديداً لجهة عدم توفر التمويل، وأسئلة أخرى لا تخلو من توجيه الاتهامات المباشرة حيناً بترهل مجالس إدارتها وأحيانا أخرى بتهم للفساد أو شبهات بتحقيق منافع على حساب المستحقين..!.

“البعث الأسبوعية” تفتح ملف الجمعيات العاملة في طرطوس لتسليط الضوء على مجمل مشاكل هذه الجمعيات وما قامت به وكذلك العلاقة مع وزارة الشؤون الاجتماعية صاحبة الولاية والإشراف على عملها وتقييمها الدوري على مجالس إداراتها.

 

معاناة

يقول الجريح علي محمد لـ “البعث الأسبوعية” أنه تعرض منذ عدة سنوات لقذيفة هاوون أدت لبتر أحد أطرافه السفلية، الأمر الذي تسبب له بعجز شبه كلي يمنعه من القيام بالأعمال التي تؤمن له متطلبات حياته، مشيراً إلى أنه وطوال الفترة الماضية، ونظراً للحاجة الماسة لـ “تدبير” أموره وتكوين عائلة – حاله حال آلاف الشباب – إلا أنه، ورغم طرقه أبواب عدة جمعيات كثيراً ما كان يسمع عن نشاطاتها الإعلامية وتبرعاتها “السخية”، لم يتمكن من الحصول على شيء سوى المزيد من الوعود، أو أن اسمه على لائحة الانتظار التي تم وضعها من قبل جهات “دارسة” لوضعه الصحي، ويتابع القول: غالباً ما كان رد بعض الجمعيات الخيرية هو نقص التمويل وتدني تقديم المنح..!

بدورها، اشتكت أم لثلاثة معوقين من غياب أي دور للجمعيات الخيرية على النقيض مما يفترض أن تعكسه الأعداد التي يتم ترخيصها لخدمة العائلات الأكثر فقراً، وتقول هذه الأم: راجعت إحدى الجمعيات مرات عدة، بعد أن فقدت منزلي في المناطق التي تعرضت للارهاب والحرق من قبل العصابات المسلحة في ريف حلب الغربي، واستقر بي الحال مع عائلتي في مدينة طرطوس منذ عدة سنوات، وكانت هذه الجمعية تتذرع بعدم وجود تمويل من قبل المنظمات الدولية لتقديم مساعدات عينية بشكل متواصل، وأن المشكلة تتعلق دوماً بنقص هذه المساعدات والتي عادة ما تحتاجها عائلة المعاق، أو التي تشكو من عدم توفر المال اللازم لتأمين مثل هذه المستلزمات اليومية وارتفاع أسعارها بشكل يفوق قدرتنا على تأمين المال، حيث الغلاء في كل شيء حتى بالمواد المقدمة من قبل هذه الجمعيات، والتي تقوم بتأمينها هي بدورها مجاناً للعائلات المحتاجة في حال تم توفيرها وتغطيتها مالياً، وتقترح الأم في معرض حديثها لـ “البعث الأسبوعية” أن تقوم الجمعيات الخيرية المقتدرة على تنفيذ مشاريع لها صفة الديمومة والاستمرارية بحيث تؤمن فرص عمل مدرة للدخل بدلاً من تقديم إعانات إسعافية مؤقتة وطارئة.

 

مثيرة للجدل

ما من جمعية عاملة على مستوى المحافظة نالها ما نالها من تهم بالفساد وهدر للأموال ورشى وغيرها، مثل جمعية البتول الخيرية، التي – على ما يبدو – لم يكن لها من اسمها نصيب في مراحل سابقة – وليس حالياً – حتى أصبحت مثار جدل قبل أن تضع نفسها أمام قفص اتهام الشارع نظراً لكثرة المشاكل والتحقيقات وما صدر من تقارير تفتيشية وأحكام قضائية بحق مجالس إداراتها السابقة، وكذلك قرارات بحل هذه المجالس، وتشكيل مجالس جديدة أخرى، إلى أن استقرت الأحوال أخيراً، وتم تشكيل مجلس إدارة جديد، بحسب كلام نبيل المحمد رئيس مجلس الإدارة الحالي الذي أكد أن المجلس في تناغم وانسجام والأمور على خير ما يرام، بما يعزز ثقافة روح العمل المشترك، وصولا لتحقيق أهداف الجمعية حيث تعمل ضمن قطاع المدينة ووادي الشاطر وبعض القرى من المحافظة، مشيراً إلى أن هناك شراكة مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين من خلال مراكز الرعاية الاجتماعية الموزعة في طرطوس وريفها كقرى بصيرة وصافيتا والمنطار، لافتاً إلى أنه كان لدى الجمعية شراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان من خلال مركز دعم المرأة الريفية في قرية المنطار من العام 2017 حتى نهاية العام الماضي، آملاً بالحصول على شراكات جديدة.

واعتبر المحمد أن الصعوبات التي تواجه الجمعية تتمثل بصعوبة الحصول على شراكات جديدة مع المنظمات الدولية، معتبراً أن العلاقة مع بقية الجهات والمؤسسات جيدة، إذ أن هناك تشبيكاً عن طريق مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل والمحافظة لتسهيل عمل الجمعية وتفعيل دورها الإنساني والاجتماعي على كامل نطاق عملها، مبيناً أن من ضمن مشاريع الجمعية هو منح مشاريع صغيرة للمصابين وجرحى الحرب وتقديم مساعدات طبية وعينية لأسر الشهداء والعائلات الفقيرة، بالإضافة لتوزيع سلل صحية للمحتاجين، كما شاركت الجمعية بتوزيع سلل غذائية للمتضررين، وجمع وإحصاء الأضرار بالإضافة للقيام بحملات التشجير جراء الحرائق التي تعرضت لها المحافظة خلال فترة الصيف الماضي.

 

على الورق

بالمقابل توجد عدة جمعيات على الورق وضمن جدول الجمعيات المرخصة أو المشهرة، ولكن بلا أي نشاط “خيري” فاعل، وربما حتى شكلي، ولذلك المطلوب إعادة النظر بموضوع إشهارها ومناقشة أسباب عدم قيامها بالأعمال الخيرية التي منحت الترخيص على أساسه، بالإضافة لضرورة تقديم مبررات لوجود فروع لجمعيات غير مشهرة حتى تاريخه، وتفعيل كل ما هو بحاجة لتفعيل بما يضمن ويعزز العلاقة العضوية بين هذه الجمعيات والفئات المحتاجة لكي لا تبقى هذه الجمعيات وكأنها لزوم ما لا يلزم، وهذه مسؤولية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل صاحبة الولاية والإشراف..!

 

“الشؤون” توضح

من جانبها أشارت ولادة جلب مديرة الشؤون الاجتماعية في طرطوس إلى أنه يوجد في محافظة طرطوس 177 جمعية، منها 129 جمعية خيرية، بالإضافة لوجود 21 فرعاً غير مشهر لأسباب مختلفة، وذلك حسب الاتفاقيات المنفذة من قبل الجمعيات الأهلية والموقعة مع المنظمات الدولية، وهي موجودة لخدمة المجتمع المحلي ويتم اختيار المستفيدين بناء على تقييم ودراسة من قبل متطوعين وفرق جوالة تابعة للجمعية، ومنها مشروع المعونة النقدية لاحتياجات الشتاء في طرطوس بين جمعية أنيس سعادة وصندوق الأمم المتحدة لليونسيف حيث تقدم الجمعية سللاً صحية لأهالي المعوقين الذين استفادوا من مشروع الحوالات النقدية لعام 2018، بالإضافة إلى تقديم مساعدات مالية بمبلغ 80 ألف ليرة لكل عائلة لديها أطفال دون سن الثامنة عشر في كل من مناطق الرادار والحميدية ورأس الشغري والمنطقة الجنوبية بشكل عام، ومشروع الدعم التغذوي للنساء الحوامل والمرضعات المتسربين والمستفيدين من المنهاج بين جمعية المرأة الذكية وبرنامج الغذاء العالمي، مشيرة إلى أن هناك معايير لاستهداف الأكثر فقراً، حيث تقدم الجمعية من خلال الاتفاقية قسائم غذائية للحوامل والمرضعات حتى يبلغ الطفل سن 6 أشهر.

ولفتت مديرة الشؤون الاجتماعية إلى إن المديرية، وحال استقبال طلبات تأسيس الجمعيات، تشرف على عملها وتسهل الإجراءات وفق الأنظمة والقوانين النافذة، لاسيما من خلال حضور اجتماعات الهيئة العامة، ومعالجة كافة الطلبات والشكاوى، كما تقوم بإحالة طلبات المواطنين إليها ليتم دراستها وتقديم المساعدة، بالإضافة للقيام بالتقييم الدوري, وبيان ما إذا كانت تعمل لتحقيق الهدف الذي تم إشهار الجمعية لأجله.

وحول الدور السلبي لبعض الجمعيات التي لم تقم بأي دور اجتماعي خلال المرحلة ماعدا الحضور الإعلامي، أكدت جلب أنه وخلال العام الماضي كانت الجمعيات سباقة للقيام بالمبادرات، وكان لها دور مهم وخصوصاً خلال الحملة الوطنية للاستجابة الطارئة لمواجهة انتشار فيروس كورونا من خلال القيام بتوزيع الخبز والمواد التموينية على بعض المناطق، بالإضافة إلى حملات التعقيم والتوعية التي قامت بها بعض الجمعيات، كما شارك بعضها في عمليات إطفاء الحرائق وزيارة المتضررين وتقديم المساعدة لهم، وذلك حسب الإمكانيات المتاحة لكل جمعية.

 

ليس هو المأمول!

من حق المواطن وكذلك المتابع أن يسأل السؤال التالي: هل كان دور معظم الجمعيات المرخصة تحديداً ينحصر فيما قامت به وعلى نطاق ضيق ومحدود، سيما في ضوء الحملة الإعلامية التي رافقت الإعلان عن افتتاحها وحجم مشاريعها المعلنة على الورق فقط؟ وهل عكست التصريحات حجم المساعدة وشموليتها بكل شفافية على كافة أرجاء المحافظة ولامست أوجاع الفئات الأكثر فقراً؟

بكل مسؤولية، يمكن القول: إن الخدمات المقدمة لم يشعر بها السواد الأعظم من المسجلين، وقد يكون ضعف التمويل من الجهات المانحة مبرراً لدى البعض، ولكن ماذا عن البعض الآخر، خاصة لدى أولئك الذين يصرون على تقديم أنفسهم على الدوام بأنهم خيريون وتطوعيون!!؟