ثقافةصحيفة البعث

“نادي القتال” في النادي السينمائي

“مشروع الفوضى” المحور الأساسي الذي بُني عليه الفيلم الأمريكي “نادي القتال” والذي تنبأ بأحداث مستقبلية نعيشها اليوم، حيث يستدرج المشاهد بتسلسل مدروس إلى ملامح المشروع الأمريكي بنشر الفوضى الخلّاقة التي عمّت في بعض الدول العربية، ومن زاوية أخرى إلى الحرب الإرهابية بنشر الخلايا في كل مكان وتنفيذ المهمات التخريبية.

عُرض الفيلم ضمن فعاليات النادي السينمائي القائم بين مؤسسة أحفاد عشتار برئاسة د. أيسر ميداني ووزارة الثقافة –المؤسسة العامة للسينما- في سينما الكندي بتوقيع المخرج ديفيد فينش المأخوذ عن رواية تشاك بولانيك التي تحمل الاسم نفسه.

الراوي داخل اللقطات

وقد اعتمد المخرج على شخصية الراوي بالفيلم الذي يأخذ دوره البطل بالتعريف عن الشخصية المحورية المحركة للأحداث، إذ يتدخل بالسرد السينمائي وباقتحام المشاهد لتظهر صورته مع حركة الكاميرا بالمشهد، ما شدّ المشاهدين إلى الأحداث التي تعود إلى الطفولة. جاك -إدوارد نورتون- الشاب الوسيم المسالم يعاني من الإهمال الأبوي بعد تركه مع والدته وهو في السادسة ليذهب إلى مدينة أخرى ويؤسّس عائلة جديدة، ليطلق على نفسه في نهاية المشهد أنه من الأطفال المنبوذين، وللوهلة الأولى يعتقد المشاهد أن الأمر يمثّل حالة فردية، ليكتشف فيما بعد أن المشهد كان تمهيداً ورمزية للحدث الأساسي بزرع الخلايا المخرّبة في كل المدن والشوارع والأمكنة حتى تطال مبنى الشرطة والتحقيقات.

وتبدو المفارقة واضحة عند اختيار الطائرة التي كانت عنصراً أساسياً بالربط بين الأحداث من خلال تنقلات جاك بين المطارات والمدن والفنادق الفخمة والشركات الكبرى، لتدور أغلب المشاهد في البيت الخشبي الكبير المعرّض للانهيار، هذا المنزل الذي يسكن به تايلر -براد بيت- الصديق الوهمي لجاك، وتوضح الأحداث فيما بعد أن تايلر وجاك شخص واحد، وأنه يعاني من مرض انفصام الشخصية.

المنزل المتصدع

تحيط بالمنزل الخشبي ساحات قذرة مليئة بالقمامة، لتصل الكاميرا إلى القبو مكان التجمع الذي انطلق منه مشروع الفوضى وعُرف بنادي القتال العنيف بين جاك وتايلر، فيمرّر المخرج بثوانٍ صورة لجاك يصارع ويقاتل وحده، إيماءة ذكية إلى أنهما شخص واحد، وتزيد من تساؤلات المشاهد ليتمكّن من ربط المسار الدرامي فيما بعد.

تبدأ أحداث الفيلم من مجموعات الدعم التي تقيمها الجمعيات الخيرية لدعم مرضى السرطان الذين شارفوا على الموت للحديث عن أمنياتهم الأخيرة والتفريغ العاطفي بلقاء أصدقاء يخفّفون عنهم وحدتهم وآلامهم “الإنسان الضعيف يبحث عن صديق قوي يستقوي به”، فيلتقي جاك مع مارلا -هيلينا يونهام كارتير- بطلة الفيلم التي تبدو بصورة فوضوية أيضاً وذات شعر أشعث وتدخن بشكل يوحي بأنها امرأة غير متحضرة، تتطوع مارلا بمجموعات الدعم لتحصل على الطعام والأمان وتفصح في حوارها مع جاك في المشاهد الأخيرة بأن مجموعات الدعم تمنحها السعادة لإظهار الجانب الإيجابي الذي غلب على شخصيتها وكان العامل المساعد لاستعادة جاك ذاته.

تصنيع متفجرات

تنتقل الكاميرا إلى حادثة انفجار منزل جاك الذي يحبه، وتكشف التحقيقات الأولية أن الانفجار بسبب تسرب الغاز، لكنها تكشف فيما بعد أن الانفجار تمّ بسبب متفجرات صُنعت في المنزل بأدوات بسيطة، وتتصاعد الأحداث بالعراك والصراع، فيركز المخرج بالحوار على قواعد نادي القتال بمنع الأعضاء من الحديث عنه وعدم السؤال عن أي شيء.

نادي القتال يقود إلى تأسيس مشروع الفوضى وانضمام الكثيرين إلى “جيش تايلر” ويصبح المنزل الخشبي مقراً له، والقبو مركزاً للتخريب ونشر الرعب، وتتصاعد الموسيقا المتأججة مع أحداث العنف لتصل الحبكة إلى ذروتها بتنفيذ عملية تهديم أبنية بطاقات الائتمان بغية “التوازن الاقتصادي”.

مقاربته مع الجوكر

وبعد العرض تحدث الناقد عمار أحمد حامد عن أهمية مضمون الفيلم بتناوله الأشخاص المهمّشين الذين يعيشون بالقاع وكيف ينجرون إلى عوالم الجريمة، وتابع عن العنف الذي يتفجر من الضغط النفسي والاجتماعي في مجتمع النظام الرأسمالي والشركات والبنوك، والتمسّك بالمجتمع الاستهلاكي، ويرى مقاربة بينه وبين فيلم الجوكر من حيث تطرقهما إلى الجريمة والقتل والعنف. ونوّه ببراعة المخرج، فكل مشهد يتطلب قراءة تحليلية، وأشاد بلغة الحوار الموظّف والمندمج مع اللقطات، ليصفه بالفيلم الناضج سينمائياً.

انفصام الشخصية

أما د. رندة رزق الله فتوقفت عند الناحية النفسية، محلّلة شخصية البطل الذي يعاني من مرض انفصام الشخصية ومقولات المريض ذات الدلالات القوية ليس كما يعتقد العامة، وتابعت عن النقص العاطفي الذي يجعل الإنسان غير قادر على الإحساس بالسعادة رغم توافر كل إمكانات الرفاهية لديه. كما تحدثت عن أهمية الدعم النفسي، كما جاء في الفيلم، من خلال مجموعات الدعم لمرضى السرطان، لتخلص إلى أن الفيلم بُني في قسم كبير منه على بعد نفسي.

ملده شويكاني