مجلة البعث الأسبوعية

عدم الانتشار النووي على الصعيد العالمي.. عقد من المخاطر المتزايدة!!

“البعث الأسبوعية” ــ عناية ناصر

حفل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بالكثير من الأمل والتفاؤل النوويين اللذين توهجا في خطاب الرئيس أوباما في براغ، في نيسان 2009. وقد وجد هذا الشعور انعكاسه في مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووي، في أيار 2010، وأُضيف كوثيقة نهائية تم إنجازها بالتراضي وخطة عمل طموحة حددت 46 خطوة لتعزيز عدم الانتشار ونزع السلاح النووي. وعبر الاستراتيجي النووي الشهير، توماس شيلينغ، عن ذاك المزاج أيضاً، حيث كتب في مقال نشره في مجلة “ديدالوس” أنه “ليس هناك ما يشير إلى أن أي نوع من سباق التسلح النووي في المستقبل القريب، بين القوى النووية الحالية؛ ويجب أن يساهم ذلك في الهدوء النووي، وباستثناء بعض التهديدات “المارقة”، هناك القليل مما يمكن أن يزعج العلاقات النووية الهادئة بين الدول النووية المعترف بها”.

في الواقع، يبدو أن القوى النووية الكبرى قد توصلت إلى طريقة مؤقتة مستقرة تقلل من إمكانية الاستخدام النووي. فقد أوصت “مراجعة العقيدة النووية”، التي أصدرها الرئيس أوباما، عام 2010، بحصر استخدام الأسلحة النووية في “الظروف القصوى”، ونقل استخدامها نظرياً إلى نطاق ضيق من الحالات الطارئة. وفيما يتعلق بمعاهدة عدم الانتشار، كان هناك شعور بالرضا، حيث حققت العالمية مع بعض الاستثناءات القليلة.

في عام 2010، عقد الرئيس أوباما أيضاً أول قمة للأمن النووي في واشنطن، وانضمت 47 دولة أخرى إلى الولايات المتحدة للفت الانتباه إلى تأمين المواد النووية كوسيلة لمواجهة تهديد الإرهاب النووي. وفي عامي 2012 و2014، عندما عُقدت القمتان التاليتان، ارتفع عدد الدول المشاركة إلى 53 دولة، وتم الإعلان عن عدة بيانات مشتركة، و”سلال هدايا”. وبحلول موعد القمة الأخيرة، في عام 2016، نشب الخلاف بين روسيا والولايات المتحدة، الأمر الذي لم يؤد فقط إلى انسحاب موسكو من الحدث، بل أثر أيضاً على جوانب أخرى من علاقتهما النووية.

 

منتصف العقد.. مشهد نووي متغير

بدأت العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وروسيا مع الأزمة الأوكرانية في العام 2014، لتنعكس بالتالي في سياساتهما النووية. وعلى سبيل المثال، توقف المزيد من الحد من التسلح، وبدأ توجيه اتهامات متبادلة بانتهاك المعاهدات القائمة، مثل معاهدة القوات النووية متوسطة المدى. في ذاك الوقت تقريباً، بدأت القوة الصينية الناشئة بتغيير المعادلات الأخرى بين الدول. ومع توتر العلاقات السياسية بين القوى النووية الكبرى، أصبحت استراتيجيات التحوط واضحة في بناء القدرات العسكرية، بما في ذلك “التحديث النووي”.

وفي الوقت نفسه، تزايدت الفجوة بين الدول الحائزة للأسلحة النووية والدول غير الحائزة للأسلحة النووية. ففي 2015، وفي مراجعة لمعاهدة حظر الانتشار، لم يكن ممكناً تحقيق وثيقة نهائية توافقية. رفضت الدول غير الحائزة للأسلحة النووية قبول المزيد من التزامات عدم الانتشار، كالامتناع عن التخصيب وتقنيات إعادة المعالجة أو قبول البروتوكول الإضافي باعتباره إلزامياً للتعاون النووي. وبدلاً من ذلك، دعت الدول الحائزة للأسلحة النووية إلى التحرك نحو نزع السلاح. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنه قبل مؤتمر مراجعة معاهدة الحظر النووي، تم عقد مؤتمرين في عامي 2013 و2014، ما لفت الانتباه إلى العواقب الإنسانية الكارثية لاستخدام الأسلحة النووية، وبالتالي الحاجة إلى نزع الشرعية عنها. واكتسبت هذه المبادرة زخماً مع ضغط العديد من الدول غير النووية لإجراء مفاوضات بشأن معاهدة الإزالة. واستجابة لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، عُقد مؤتمر للأمم المتحدة للتفاوض بشأن صك ملزم قانوناً، في عام 2017، لكن لم تشارك أي من الدول المسلحة نووياً في هذه المفاوضات. ومع ذلك، وبناءً على جهود بعض الدول غير الحائزة للأسلحة النووية، تم اعتماد معاهدة حظر الأسلحة النووية في حزيران 2017.

وبينما كانت معاهدة الحظر قيد التفاوض، كان هناك الكثير من التغيير العقائدي وبناء القدرات في الدول النووية. كان دخول الرئيس ترامب، في عام 2017، نذيراً بوقوع تغيير في النهج النووي للولايات المتحدة، والذي أصبح واضحاً في استعراضه لسياسة حافة الهاوية النووية. وتُعدّ “تغريداته” على تويتر (الردع من خلال التغريدات) مع بيونغ يانغ دليلاً واضحاً على ذلك. وسعت مراجعة العقيدة النووية، لعام 2018، دور الأسلحة النووية لتشمل الهجمات التقليدية والسيبرانية والفضائية واسعة النطاق، إذ حددت روسيا والصين على أنهما يمثلان تحدياً نووياً كبيراً، الأمر الذي يتطلب تطوير مجموعة من القدرات، بما في ذلك الأسلحة النووية منخفضة القوة للطوارئ الإقليمية. وبدأت الجهود لتصنيع غواصات تطلق صواريخ كروز نووية لتضاف إلى قوة الردع الأمريكية الهائلة بالفعل.

 

عقد ينتهي: ارتفاع مخاطر الاستخدام النووي وانتشار الأسلحة

ونتيجة لهذه التطورات وغيرها من التطورات ذات الصلة، انتهى العقد بإحساس أعلى بمخاطر الاستخدام النووي، خاصة نتيجة الاستخدام العرضي بسبب سوء التقدير أو سوء الفهم الذي تفاقم بسبب ضباب الحرب. كانت العلاقات المتوترة بين الدول، والتحديث غير المنظم للترسانات النووية، وظهور تقنيات جديدة، وانهيار هيكل الحد من التسلح من العوامل التي أدت إلى تفاقم المخاطر النووية، كما عادت للظهور إمكانية الانتشار النووي. من ناحية أخرى، استمرت التطورات النووية والصاروخية في كل من كوريا الديموقراطية وكوريا الجنوبية واليابان، وشهد البلدان الأخيران ظهور النقاش حول تطوير قدراتهما النووية لإرساء قوة “ردع” ذات مصداقية. وفي الوقت نفسه، تسارع خطر الانتشار النووي، في غرب آسيا، بعد انسحاب الولايات المتحدة عام 2018 من “خطة العمل الشاملة المشتركة” مع إيران. لقد كان اتفاق 2015 نقطة حاسمة لعدم الانتشار لأنه كان يهدف إلى وقف إيران عن تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز 3.67 في المائة، وإبقاء المخزون أقل من 300 كيلوغرام. كما تم وضع العديد من القيود الأخرى مع السماح لإيران بمتابعة دورة الوقود الكاملة لبرنامجها النووي السلمي، تحت ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. أدى توقف خطة العمل الشاملة المشتركة إلى اتخاذ إيران “تدابير” خاصة بها، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 20 في المائة. وبحلول نهاية عام 2020، تراكم لديها ما يقرب من 17 كغ من هذا اليورانيوم. وفي حين أن هذه الكمية بعيدة كل البعد عن انتاج السلاح النووي، إلا أن مخاوف السعودية وتركيا والإمارات المتحدة أخذت في الارتفاع.

 

تأملات يوم القيامة

لقد انتهى عام 2020 بشكوك متزايدة حول أن العالم أقرب ما يكون إلى معركة هرماجدون. ومن المفارقات، أن ذلك حدث في العام نفسه الذي احتفل فيه العالم بالذكرى الخامسة والسبعين للتفجيرات الذرية، والعام الخمسين لمعاهدة حظر الانتشار النووي. وقد حصلت معاهدة الحظر على تصديقها الخمسين ما مكنها من دخولها حيز التنفيذ في كانون الثاني 2021. وفي حين أن التطور الأخير جدير بالملاحظة على المستوى المعياري على الأقل، إلا أنه لن يؤدي إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية، ولا تزال الدول النووية راسخة في تبني معتقدات الردع وبناء القدرات على الرغم من حالة الطوارئ الصحية غير المسبوقة التي عصفت باقتصاداتها حتى عام 2020.

دخل العالم عام 2021 في وقت تم تعليق الأمل على “التغيير” الموعود في القيادة الأمريكية نظراً لقدرة هذا البلد على توجيه التطورات النووية العالمية. وبينما لا يعتقد أي شخص أن عالماً خالٍ من الأسلحة النووية سيصبح فجأة وبمعجزة ممكناً، فربما سيكون من الممكن التقدم ببطء نحو موقع نووي أكثر أماناً.