صحيفة البعثمحليات

المتهربون الضريبيون!

يرتقي “التهرّب الضريبي” في بلاد الشرق والغرب والهند والسند الغنية منها والفقيرة إلى مرتبة الجريمة التي تستدعي أقصى العقوبات وأقساها بحق المكلفين المتهربين، أفراداً كانوا أم شركات، قد تصل حدّ مصادرة الأملاك والبيع بالمزاد العلني وإعلان الإفلاس، والتوقيف وتطبيق القوانين الصارمة بحزم وشدة بلا هوادة، لتحصيل حقوق الخزينة العامة، عدا السمعة السيئة التي تطال المتهربين أمام الرأي العام. إلا عندنا، الصورة تبدو  منقوصة ومعكوسة، فالمكلفون الضريبيون الكبار وبحكم النفوذ والحظوة التي ينالونها وشبكة العلاقات التي نسجوها، استطاعوا اختراق الكثير من مفاصل مؤسّساتنا المالية وغير المالية وأجهزتها، وتطويع موظفيها الذين يعمل جلّهم من خلف الستار بأسماء وأختام وهمية موظفين لدى المكلفين أنفسهم ليكونوا دليلهم ومرشدهم في “التكويع” والالتفاف على القوانين المالية والضريبية، واستثمار وتوظيف ثغراتها وهفواتها وتغييب وإخفاء المطارح الضريبية التي تطالها الضريبة!!.

ما نقوله ليس إنشاءً ولا تأليفاً ولا توليفاً، فالتقارير والدراسات الأكاديمية للماليين والمختصين وأساتذة الجامعات وتقارير الاتحاد العام لنقابات العمال كلها قدّرت رقماً مخيفاً لحجم التهرّب الضريبي وصل العام الماضي إلى ألفي مليار ليرة، أي تريليوني ليرة سورية. وبالتأكيد فإن هذا الرقم “الخرافي” لم يُطلق من فراغ بل من خلال معطيات محدّدة ودراسات وحسابات دقيقة بُني عليها.

والسؤالُ المهمّ: ماذا فعلت وزارة المالية ومؤسّساتها من إجراءات تنفيذية وتدابير إدارية وملاحقات قضائية على الأرض، وتعديلات على منظومة القوانين والتشريعات الضريبية، وطرق التحصيل وأدواته ووسائله، وتوسيع مساحة الوعي الضريبي، للتعامل مع ملف شائك ومعقّد بهذا الحجم؟.. ولماذا لا تعمل على نشر قوائم المتهربين “المعروفين” من قبلها في الوسائل والمنصات الإعلامية المختلفة كما وعدت عبر وزرائها المتعاقبين أكثر من مرة، وماهي العوائق التي تحول دون ذلك؟.. وأين وصل مشروع الأتمتة والربط الإلكتروني والفوترة الذي بوشر به قبل اندلاع الحرب على سورية وكاد أن ينتهي؟!!.

إننا نعتقد أن التصدي لجريمة التهرّب الضريبي أمر لم يعد يحتمل التأخير والتأجيل، ولا يقلّ أهمية عن التصدي لأي ملفات أخرى، ويستأهل أن نعدّ له العدة ونسخّر كل القدرات لتحصيل حقوق الخزينة “المنهوبة”، ولاسيما في هذه الظروف القاسية التي تعصف بنا جميعاً، وهو أجدى ألف مرة من الاعتماد والتوجّه نحو صغار المكلفين والكسبة وأصحاب الدخل المحدود، لأنه ببساطة شديدة سيغذي الخزينة العامة وسيعيد التوازن للعدالة الضريبية المنشودة و”المفقودة”!.

وائل علي