دراساتصحيفة البعث

الحرب الباردة لن تعيد القوة الناعمة للولايات المتحدة

ترجمة: عائدة أسعد

عن غلوبال تايمز

أصبح السياسيون في المجال الاستراتيجي أكثر جدية بالتفكير بعودة الحرب الباردة وخاصة بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن تشكيل تحالف من الديمقراطيات بعد محادثات ألاسكا الصينية الأمريكية في 19 آذار الماضي.

لدى الولايات المتحدة عقلية الحرب الباردة، حيث أوضح بايدن ذلك في أول مؤتمر صحفي رئاسي له في 25 آذار الفائت عندما وصف التحدي مع الصين وروسيا بأنها “معركة باردة” في محاولة لجعل العالم يعتقد أن الحرب الباردة حتمية.

وحسب لي هايدونغ الأستاذ في معهد العلاقات الدولية بجامعة الشؤون الخارجية الصينية: “يكاد يكون من المستحيل تقسيم العالم إلى معسكرين منفصلين لأن العالم ليس الولايات المتحدة والصين فقط فهناك العديد من البلدان في العالم والعديد من المنظمات الدولية ولديهم أصوات مختلفة حول اتجاه النظام الدولي”.

وتثبت الحقيقة الموضوعية لانحدار القوة الناعمة للولايات المتحدة أن نظام الحرب الباردة الذي تريده الولايات المتحدة، لن يصبح القيمة السائدة في العالم لأن الفقر والتمييز العنصري وانهيار الديمقراطية والركود الاقتصادي الذي تواجهه الولايات المتحدة في الداخل لن يتم حله عن طريق تقسيم العالم إلى معسكرين، ولن يكون أي من حلفاء الولايات المتحدة على استعداد لمتابعة الولايات المتحدة في كل قضية أو الانحياز إلى جانب الصين، والولايات المتحدة لديها قوتها بالتأكيد لكن لا ينبغي أن تبالغ في تقدير قدرتها المطلقة.

إن فكرة محاولة حل الانقسامات الداخلية في المجتمع الغربي عن طريق إثارة التحديات الخارجية كانت وراء عقلية الحرب الباردة، والنتيجة أن واشنطن غير قادرة على التركيز على حل قضاياها الداخلية في مناخ يجعل من الصعب العمل مع الدول الأخرى في القضايا العالمية، والطريقة الأكثر فعالية للتعامل مع رغبة الولايات المتحدة في تقسيم العالم هي إقامة توازن متعدد المستويات في اتجاهات مختلفة.

في كتابه “أمة خطيرة” يصف روبرت كاغان المؤرخ الأمريكي  الولايات المتحدة بأنها “أمة خطيرة” وأن مكان أمريكا في العالم هو ذاته منذ أيامها الأولى حتى فجر القرن العشرين، وأن السياسة الدبلوماسية للولايات المتحدة أصبحت أكثر فأكثر غير عقلانية مما يجعل البلاد دولة خطيرة وهي تنظر إلى الصين عند اتخاذ أي سياسة، فهل سيتعين على جميع الدول أن تنحاز إلى جانب الولايات المتحدة والصين في صنع السياسات والتنمية الاقتصادية؟.

يبدو أن السياسيين الأمريكيين والغربيين الذين يعانون من فقدان الذاكرة السياسية قد نسوا ما جلبته المعارضة الأيديولوجية عام 1947 إلى العالم، لقد تسببت في مواجهة طويلة الأمد بين الشرق والغرب وأعاقت التنمية المتكاملة للعالم وتسببت في انقسام ألمانيا وكوريا ودول أخرى وأثارت حروباً محلية فكيف يمكن لنا أن نتحدث عن التنمية عندما يصبح الأمن والبقاء على رأس الأولويات؟.

لقد تم عزل المعسكرين عن بعضهما البعض في حقبة الحرب الباردة وشكلا سوقين متوازيين مما أحدث تأثيراً سلبياً هائلاً على تطور الاقتصاد العالمي فالاقتصاد العالمي تطور من نموذج “المعسكرين” و “العوالم الثلاثة” إلى التقسيم الضخم والموحد الحالي لنظام العمل الذي يمتد عبر المناطق والأنظمة السياسية ويغطي جميع البلدان تقريباً. ونظراً لأن البلدان أصبحت تعتمد بشكل متزايد على بعضها البعض في إمدادات السوق والتصنيع وتقسيم العمل، ستؤدي الحرب الباردة الجديدة حتماً إلى انهيار السلسلة الصناعية وخسائر لكلا الجانبين.

إن عقلية الحرب الباردة وإجبار الدول الأخرى على الانحياز إلى جانب طرف على حساب طرف آخر ليست دليلاً على قوة الولايات المتحدة. ومع ذلك وكما ذكرت وكالة بلومبرغ في مقال بعنوان “الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين سيكون لها أكثر من جانبين”، فإن إيديولوجيات الحرب الباردة هذه لا يمكن أبداً أن تحل محل الواقع الفوضوي الأمريكي وباختصار لن تعيد عقلية الحرب الباردة القوة الناعمة للولايات المتحدة.