دراساتصحيفة البعث

كيف سقطت أفغانستان؟

هيفاء علي

على الرغم من إغداق أموال طائلة من قبل الناتو والولايات المتحدة على هذه الحرب بزعم القضاء على طالبان، فقد انهارت الحكومة الأفغانية في غضون ساعات بعدما انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان بعد احتلال دام عشرين عاماً وكلفها مليارات الدولارات وحرباً مدمرة. لقد أدّت سياساتها العسكرية والتدخلية إلى ولادة جيش فاشل، وحكومة ضعيفة، وأمة مضطهدة. وها هي أفغانستان تنقلب رأساً على عقب هذه الأيام بمنعطفات متكررة، لدرجة أنه يكاد يكون من المستحيل التنبؤ بما سيحدث في الساعة التالية.

من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، تهاوت المدن الرئيسية في المقاطعات الأفغانية الواحدة تلو الأخرى، ولم يكن أمام القوات الأفغانية من خيار سوى الاستسلام أو الفرار بعدما سيطرت طالبان على كابول، ما دفع واشنطن للمسارعة بإخلاء موظفي سفارتها. والسؤال الذي يطرحه المراقبون: لماذا عجز الجيش الأفغاني عن مقاومة تقدم طالبان؟ في الوقت الحالي، وانهارت الدولة بأكملها تقريباً، في غضون أسبوع واحد فقط.

ولكن بصرف النظر عن التكهنات حول إذعان الأفغان لطالبان والشائعات حول تواطؤ مسؤولين في كابول مع الحركة، فإن السؤال الكبير هو: إلى أي مدى تمّ تدريب الجنود الأفغان من قبل الناتو والقوات العسكرية؟ ولماذا لم يتمكنوا من وقف تقدم طالبان على الرغم من الدعم العسكري المزعوم من الجيش الأمريكي؟

حقيقة، إن الفساد المتأصل في النظام الإداري وعدم قدرة الحكومة على دفع رواتب ومكافآت الجنود وقوات الشرطة من بعض العوائق التي أضعفت الروح المعنوية للقوات الأفغانية. وبحسب المصادر، في كثير من الحالات، كانوا يذهبون إلى الجبهة من دون أسلحة ومن دون طعام.

وعلى الرغم من التقدم السريع لطالبان، لم يشعر العجوز جو بايدن بأي ندم، وفق ما قال خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض الأسبوع الماضي: لا ندم على قراره بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، ولا ندم على صلته التواريخ والرموز، ولا ندم على التريليون دولار التي كلفتها هذه الحرب والتي ساعدت في “تدريب وتجهيز أكثر من 300 ألف جندي أفغاني” حسب زعمه، بينما فشل في تفسير سبب انهيار أفغانستان في غضون أسبوع!

لكن يجب عدم المحاولة عبثاً للإجابة عن هذا السؤال، لأن الولايات المتحدة لم تسعَ أبداً إلى إقامة أفغانستان مستقرة وموحّدة وآمنة. أولم تكن الحرب ضد الإرهاب إلا مجرد حيلة حتى تعزّز وجودها في مناطق نفوذ إيران والصين وروسيا، والتمكن من السيطرة بشكل أفضل على الموارد الطبيعية للبلاد؟.

يبقى انتظار رؤية أين تمّ نقل القوات الأمريكية، وماذا ستكون وجهتهم التالية، هل سيعودون إلى الحظيرة أم لا؟. بالطبع لا، إذ تفيد المعلومات أنهم لا يزالون يجوبون المنطقة، وهم موجودون في القواعد التي أعدّتها أنظمة الخليج لهم.

وفي هذا السياق، تقول المعلومات نفسها إن الأمريكان يحاولون التفاوض مع باكستان وطاجيكستان وأوزبكستان للاستقرار هناك والحفاظ على قربهم من أفغانستان، بحيث يعودون إليها كلما لزم الأمر بزعم “الدفاع عن أمن” شعب أكثر من أي وقت مضى.