دراساتصحيفة البعث

ارتدادات الانسحاب الأمريكي

ريا خوري

لم تتوقف الانتقادات اللاذعة للرئيس الأمريكي جو بايدن من داخل الولايات المتحدة وخارجها بعد قرار سحب القوات الأمريكية التي ربضت في أفغانستان مدة عشرين عاماً، وما رافق هذا الانسحاب من فوضى عارمة، والتخلي عن العملاء، وترك المعدات العسكرية وطائرات وذخائر وصواريخ نوعية.

ربما يكون الرئيس جو بايدن قد استند إلى القاعدة الشعبية الأمريكية المؤيدة للانسحاب، وقد يكون محقاً جزئياً في الحديث عن عدم جدوى القوات الأمريكية في أفغانستان وعدم جدوى استمرار الحرب إلى ما لا نهاية، لكن الرئيس جو بايدن لم يكن محقاً في الحديث عن أن هدف الولايات المتحدة  الأمريكية لم يكن بناء دولة في أفغانستان.

هذا الكلام قلب معادلة الرأي العام الداخلي ضد بايدن بكل وجوهها، وقدم لخصومه الأسباب الكافية لمطالبته بالاعتزال والتنحي عن السلطة ومغادرة البيت الأبيض. أي أن بايدن سلَّم جميع الأسلحة والأوراق التي كانت بحوزته إلى خصومه السياسيين داخل الولايات المتحدة وخارجها، ما أدى إلى تقديم عدة مشاريع قرارات تطالب بعزله وإخراجه من البيت الأبيض، خاصةً أن الرأي العام الأمريكي بدا مذهولاً  ومندهشاً من المشهد الصادم الذي تناقلته الفضائيات ووسائل الإعلام من مطار كابول، ومنظر الأفغانيين الذين ساعدوا الولايات المتحدة الأمريكية طيلة عشرين عاماً.

إن المشكلة التي وجد بايدن نفسه أمامها هي أنه المسؤول عن تنفيذ قرار الانسحاب من أفغانستان بكل تداعياته وسلبياته واستحقاقاته، والذي يخضع الآن للمقارنة بالقرار الذي اتخذه الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون عندما أمر بسحب القوات الأمريكية من فيتنام عام 1975. والواضح حتى الآن أن إدارة بايدن فشلت  فشلاً ذريعاً في أول اختبار جدي لها منذ تسلمها السلطة في كانون الثاني الماضي، وربما ستدفع الولايات المتحدة  ثمن  هذا الفشل، والأهم أن الانسحاب بهذه الطريقة المهينة لا شك أنه سيكون نقطة تحول في السياسة الخارجية الأمريكية قد تحدث هزة عنيفة على مستوى الإدارة الأمريكية بمجملها بعد أن تعرضت لانتقادات حادة وواسعة من جانب الحلفاء والشركاء الغربيين قبل الخصوم، وقد تجد تعبيراتها بكل ألوانها في الداخل الأمريكي على شكل انتفاضة داخلية جمهورية تستخدم أسلحة الديمقراطيين ذاتها التي استخدمت في الإطاحة بالرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب. وإن كان من المستبعد أن تؤدي إلى عزل الرئيس جو بايدن، إلا أنها بالتأكيد ستجد ارتداداتها  خلال الانتخابات النصفية المقبلة في استعادة أعضاء الحزب الجمهوري السيطرة على مجلس الشيوخ وربما السيطرة على مجلس النواب بالكامل، أو على الأقل، حصد المزيد من المقاعد لصالح الجمهوريين  على حساب الديمقراطيين.