اقتصادصحيفة البعث

أين منهم “الصحة” و”المالية”.. والإنسانية؟!

قسيم دحدل

في أحد مشاهد مسلسل أيام الزمن الجميل  (حمام الهنا)، تردد شخصية حسني البورظان، وهي تحاول كتابة مقال في المستشفى: “إذا أردنا أن نعرف ماذا في يحدث إيطاليا، يجب أن نعرف ماذا يحدث في البرازيل؟!

ينتهي المشهد والممثل القدير نهاد قلعي يحاول إتمام مقاله والإجابة عما يطرحه من تساؤل، لكن دون جدوى، فلا هو عرف، ولا نحن عرفنا!!

اليوم ومع تضخم الأنا التجارية والإثرائية – إن جاز لنا التعبير ـ  لدى نسبة مرعبة من الأطباء، يجد المواطن السوري، ممن ابتلي بوعكة صحية أو مرض، نفسه في موقف المتسائل ـ كما شخصية حسني – عما جرى ويجري للعديد من أطبائنا المَنعوتون بـ “البشريين”، هل هم بشريون ..؟! وهل لهم عائلات..؟!

لا إنسانية مطلقاً ولا رحمة تتبدى على ملامح أمثال بعض الأطباء، الذين أصبحوا يتعاطون مع المريض، والحالة المرضية، على أنه زبون في أشد الحاجة لسلعتهم، وأي سلعة؟! يا ليتها تنفع أو تشفي غليل عليل..!

من لحظة دخول عيادة هؤلاء البعض، تخبرك ملامح المرضى (عفواً الزبائن!!) أن “أخاك مرغم لا بطل”، في ظل تقلص الخيارات الإنسانية والتطبيبية: “تسعيرة” تصل لدى العديد من الأطباء الاختصاصين لمقدار نصف راتب موظف بـ “قدم” خمسة وعشرين عاماً في وظيفته، وعند أطباء “أكثر إنسانية!!” لنحو الربع، والنادر منهم يقبل بـ 10% من الراتب!؟

أما عن الفحص السريري، فهو وإن طال عند مثل هؤلاء الأطباء، إلا أنه لا يتعدى الربع ساعة، في أحسن الأحوال، والأنكى أن هذه البرهة من الزمن لا تكون لأجل معرفة القصة المرضية وتشخيص العلة بشكل دقيق وصحيح، لا بل لإظهار “الاهتمام”، وبالتالي تبرير الكشفية التي سيأخذها من “الزبون”..!.

ويا ليت الأمر يقف عند هذا الحد، فموضوع الوصفة الطبية، وكرمى عيون شركات الأدوية و”محفزاتها”، له كل الاعتبار حين تحديد عدد الأدوية..!. هذا ناهيك عن النصيحة باستشارة اختصاصات أخرى لأطباء شركاء، وإجراء تحاليل. إلخ، حلقة مَرَضيَّة على الزبون الدوران فيها، إذا أراد المغلوب على أمرة “الاطمئنان على صحته”، وفقاً لرأي الطبيب…!.

العديد من الأطباء أثرى في الأزمة ومنها، كون الوضع سمح بتطبيق المثل الشائع: “حارة كل من أيدو إلو”، فحتى الآن لا تسعيرة محددة تراعي حالة الدخل المتردية للسواد الأعظم من السوريين، وفوق هذا وذاك غياب أية معايير تضبط هذا الفلتان الطبي الصحي المالي الذي يضرب عرض الحائط بأي منطق أو اعتبار إنساني وأخلاقي..!

إنه زمن الأطباء التجار، والعلاقات النفعية التشاركية المشبوهة المصالح مع المستشفيات الخاصة، حيث الطبيب الاختصاصي يتعاقد مع عدة منها، وعليه أن يجلب لها الزبائن، حتى أن بعضهم نقل عيادته للمستشفى بحجة “كورونا”، وبذلك أمَّن  للمذكورة ما لا يقل عن أربعة آلاف ليرة من كل زبون، وهذا عدا كشفيته التي لم تنقص ليرة واحدة طبعاً..!؟

أمر غريب آخر تَكشَّفَ لنا، وهو أن “أطباء جراحة” يتخذون من بعض العاملين في المستشفيات، وحتى من خارجها، مروجين ومسوِّقين لهم، لاجتذاب أكبر عدد من الزبائن، حتى من خارج القطر، وهذا مقابل بدل مالي..!.

كل ما أوردناه كنَّا عايناه وخبرناه، نظرا وسمعا، وهو للأسف الشديد حقيقة. والسؤال الذي يجب طرحه، وبصوت عالٍ: أين وزارة المالية وهيئة الضرائب والرسوم من  كم  مداخيل هذا النوع من الأطباء؟! وهل ما يتم تكليفهم به ضريبياَ يعكس حقيقة ما يحصدونه يوميا وشهريا وسنويا، ليس من عياداتهم فقط، وإنما أيضا من الإيرادات الكبيرة التي تأتيهم من المستشفيات والمراكز الصحية المتنوعة؟!

أخيراً، لا يمكننا  نسيان أطباء كثيرين يليق بهم هذا الوصف، ويليق بهم الضمير الحي، ونعت الإنسانية، نظراً لما قدموه ويقدمونه للمواطن والوطن.. ولهم نقول: عاجزون عن الشكر!!

Qassim1965@gmail.com