مجلة البعث الأسبوعية

هاني شاهين: إذا كان المسرح أباً للفنون فالإذاعة أم للفنون

“البعث الأسبوعية” ــ أمينة عباس

كمعظم رواد الفن في سورية، بدأ حياته الفنية في المسرح المدرسي؛ وفي المرحلة الإعدادية قام بتأسيس فرقة مسرحية؛ وأثناء امتحان الشهادة الإعدادية، طلب منه أستاذه أن يقدم مشهداً مسرحياً باللغة الإنكليزية، فاختار المشهد المشهور من مسرحية “يوليوس قيصر”، وهو قتل القيصر من قبل أعوان القصر.. هكذا استمر هاني شاهين وفرقته بتقديم العديد من المسرحيات العالمية، مثل “الدائرة” و”البخيل” و”البؤساء”، إلى أن نال الشهادة الثانوية، حيث عمل موظفاً في المصرف التجاري السوري ومن ثم في الإذاعة التي استقال منها، عام 1990، ليتفرغ للعمل كمدير إنتاج.

 

مشاركات عديدة لك مع المسرح القومي.. ماذا عنها؟

في العام 1965، شاركتُ في أول مسرحية لي مع المسرح القومي، وكانت بعنوان “تلميذ الشيطان”، (إخراج محمد الطيب)، وتم تقديمها على مسارح باريس ولكن باسم مختلف هو “حلاق اشبيلية”، ومن ثم استمريت بتقديم أعمال مع المسرح القومي، حيث شاركت في “زواج فيجارو” (إخراج محمد الطيب)، والملحمة التاريخية “الشعب البطل”، من تأليف العديد من المؤلفين وأشهرهم القصاص الشعبي حكمت محسن، و”انت يللي قتلت الوحش” (إخراج هاني الروماني)، و”المأساة المتفائلة” (إخراج علي عقلة عرسان)، وغيرها، وكانت آخر مشاركة لي عام 2018 من خلال مسرحية “أحلام الصعاليك” (تأليف وإخراج محمد الطيب).

 

في رصيدك أيضاً العديد من الأعمال التي قدمتها مع المسرح الخاص.. ما هي الفرقة التي عملت معها؟

أشير في البداية إلى أن الفرق المسرحية الخاصة كانت تعمل بشكل كبير، وكانت هناك عدة فرق مسرحية نالت شهرة كبيرة، ولها جمهور كبير، وقد عملتُ مع أهمها، حيث قدمت مسرحيات “شلون الله بدو يوفقنا”، و”يا دلع دلع”، و”طاسة ترنطاسة”، و”على دلعونا”، وكلها من تأليف وإخراج الأخوين قنوع؛ كما عملت مع فرقة محمود جبر وقدمت عدة أعمال مسرحية كانت من تأليف أحمد قبلاوي ومحمود جبر، وإخراج طلحت حمدي، مثل “ربّوا واتعبوا”، و”أبو الفوارس”، و”واحد زائد واحد يساوي تلاتة”، و”مطلوب كذاب”، و”تلاتين يوم بالسجن”؛ أما مع فرقة طلحت حمدي فقد شاركت في “طرّة ولاّ نقش”، و”أول فواكه الشام يا فانتوم”، وكتب أغانيهما الفنان أحمد قنوع، ولحّنهما الموسيقار أمين خياط، وقدمتا على مسرح العمال في العام 1975، وكانت هذه الأعمال من تأليف أحمد قبلاوي وإخراج طلحت حمدي.

 

لك مشاركات أيضاً مع بعض الفرق العربية..!!

كانت دمشق مقصد العديد من الفرق العربية المسرحية، وخاصة المصرية؛ وعندما كانت تقدم عروضها كانت تستعين بممثلين سوريين لبعض الأدوار، لذلك شاركت مع فرقة فؤاد المهندس بمسرحية “نجمة فاتنة”، إلى جانب شويكار، وقُدمت هذه المسرحية على مسرح معرض دمشق الدولي، في العام 1972، كما شاركتُ مع فريد شوقي في مسرحية “الفهمان يرفع اصبعته” التي قُدمت على مسرح سينما فريـال، وكانت لي تجربة مع إسماعيل ياسين من خلال مسرحية “أنا عايزة مليونير” التي قُدمت على مسرح الحمراء.

 

كيف تفسر غياب الفرق المسرحية الخاصة والمسرح الخاص بشكل عام؟

هناك أسباب عديدة وراء غياب الفرق المسرحية الخاصة منذ سنوات، في مقدمتها رحيل أصحاب هذه الفرق وعدم ظهور فرق جديدة، وبروز مشكلات كبيرة في المسرح، مثل قلة الموارد المادية وعدم توفر النص الجيد لغياب الكثير من الكتّاب المخضرمين.. كل ذلك أدى إلى عدم وجود مسرح يواكب العصر، وبالتالي ابتعد الجمهور عنه، لذلك اتجه الممثل المسرحي للعمل التلفزيوني، خاصة وأن الأجر الذي يتقاضاه يساوي أضعاف واردات المسرح.

 

كيف أثّرت التكنولوجيا على حضور المسرح؟

أثرت كثيراً مع وجود المحطات والأقنية التلفزيونية والسوشيال ميديا والإنترنت والفيسبوك والتواصل الاجتماعي والواتس آب والموبايلات، وما فيها من برامج ومغريات تنسي المسرح ومن فيه، حتى أننا إذا أردنا مشاهدة أي مسرحية نطلبها من الإنترنت ونحن في البيت.

 

عملتَ في كل مراحل الدراما السورية.. ما الفرق بين دراما البدايات ودراما اليوم؟

من الطبيعي أن يكون هناك فرق كبير، فالأعمال القديمة كانت تتسم بالبساطة والعفوية، وكان أشهر كتّاب تلك الحقبة: محمد الماغوط، ممدوح عدوان، عبد النبي حجازي، عبد العزيز هلال، نهاد قلعي، عادل أبو شنب، هاني السعدي، أمل حنا.. ومن المخرجين رياض ديار بكرلي، علاء الدين كوكش، غسان جبري، شكيب غنام، سليم موسى، هاني الروماني، جميل ولاية، خلدون المالح، فيصل الياسري.. وكان كل مخرج منهم يحدد موعد بدء البروفات في مقر نقابة الفنانين، والتي تستغرق شهرين كاملين؛ وفي الأسبوع الأخير، تجري البروفات دون نصوص ليتأكد المخرج من أن الجميع قد حفظ دوره، ثم ندخل الاستوديو لنجري بروفة كاميرات مع الملابس والديكورات والإضاءة والصوت، مدة ثلاثة أيام، وبعدها يبدأ التصوير، وكانت الدورة التلفزيونية تتبدل كل ثلاثة أشهر، وكانت تذاع كل أسبوع حلقة واحدة من المسلسل، علماً أن المونتاج لم يكن موجوداً، أي عندما يحصل أي خطأ أثناء التصوير نضطر إلى إعادة التصوير منذ بداية الحلقة. أما اليوم، وقد دخلت التكنولوجيا الحديثة والكومبيوتر، وأصبح المسلسل يصور دون بروفات، فبمجرد أن توزع النصوص على الفنانين يبدأ التصوير، وأحيانا يستدعى بعض الممثلين قبل يوم من التصوير، وأصبح هناك مونتاج إلكتروني وفنيون وفنانون ومخرجون أكاديميون.

 

تعاملتَ مع عدد كبير من المخرجين.. أي فارق تجده بين المخضرمين منهم والجيل الجديد؟

لا شك أن الدراسة والشهادات الأكاديمية التي يحملها بعض المخرجين كانت أحد الأسباب لنجاح الدراما السورية وإيصالها إلى جميع أقنية ومحطات الدول العربية، وبالتالي تهافتت شركات الإنتاج في العالم العربي للتعاقد مع نجومنا من فنانين ومخرجين؛ أما بالنسبة لمخرجي الزمن الماضي فلم يكن هناك معاهد، لكن ثقافتهم الحياتية وموهبتهم الفنية البسيطة صنعت منهم نجوماً في الستينيات والسبعينيات.

 

كيف تقيّم واقع الدراما السورية؟ وما هي الأخطاء التي ما زالت تقع فيها؟

وصلت الدراما في السنتين الماضيتين إلى القمة، والآن بدأت بالتراجع، والأخطاء كثيرة في بعض المسلسلات وليس في كلها. ولكن لماذا الإقبال كبير على إنتاج مسلسلات البيئة الشامية في هذه الحقبة بالذات؟ في كل عام نرى أن 90 بالمئة من الإنتاج هو بيئة شامية، ونرى الممثلين أنفسهم ولكن بملابس وأسماء ومواقع مختلفة، ولا نعرف اسم المسلسل الذي نتابعه إلا بعد نهاية الحلقة، وبعد أن تنزل شارة النهاية، فلماذا تتراكض أغلب شركات الإنتاج على هذا النوع مع أنه توجد الكوميديا والفانتازيا والدراما البدوية والتاريخية والدينية، فبمجرد أن ينجح نوع ما من المسلسلات تهرع كل شركات الإنتاج لتحصد ما حصده غيرها، وتدلي بدلوها وتتسابق لتسويقه إلى الأقنية العربية.

 

عُرفتَ عربياً من خلال دور العريف نوري في مسلسل “باب الحارة”.. ما رأيك بهذا العمل؟

شخصية العريف الركن نوري التي أعتز بها كانت من المحطات المهمة في حياتي، وباعتباري كنت مديراً للإنتاج للمسلسل، ومطلعاً على كل شخصياته، قبلتُ لعب هذا الدور الذي يتنافى مع أدواري السابقة، وقررت أن ألعب شخصية مختلفة لأضيف إلى رصيدي شخصية أحببتُها.

 

ما تقييمك لأعمال البيئة الشامية؟

إذا كانت مسلسلات البيئة الشامية تعكس، حقيقة، أحداث ذلك الزمن فهي أعمال مقبولة، ولكن أن تحرّف وتنقل صورة عكسية ومزيفة فهذا افتراء على تلك الفترة وعلى أصحابها.. مثلاً، تغلب على كل مسلسلات البيئة الشامية مشاهد الثأر من أشخاص لأشخاص، أو من حارة لحارة، وتبدأ الخناجر تغوص في أعماق الصدور والوجوه، وهذا تزييف للواقع، وأنا ممن عاصروا ذلك الزمن، فقد كنت صغيراً أذهب يوم الجمعة مع والدي إلى المسجد، وعند خروجنا، وعلى بابه، يلتقي أهل الحارة، وحين يعرفون أن أحدهم لم يحضر يذهبون إلى بيته ويسألون عنه، فإن كان مريضاً زاروه، وإن كان بحاجة إلى معونة ساعدوه.. هكذا كان أهل حارات الشام آنذاك، أما ما نراه من أن اللحام تشاجر مع صاحب المقهى، أو أن الفران تشاجر مع بائع الخضار، فهذا لم يكن وارداً، وأي خلاف يأتي شيخ الحارة ويحلّه ولا يحتاجون حتى إلى اللجوء إلى المخفر.

 

كنتَ أحد أبرز نجوم مسلسل “مرايا” إلى جانب الفنان ياسر العظمة.. أي علاقة تربطك به؟

عملتُ مع الفنان ياسر العظمة حوالي عشرين عاماً، ممثلاً ومديراً للإنتاج، منذ العام 1981 وحتى العام 2000، وهو ما جعل الصلة بيني وبينه شبه يومية، وذلك لبحث أمور العمل بكل تداعياته، من طباعة النص إلى الاتصال بالممثلين والفنيين وإجراء العقود واستطلاع أماكن التصوير ووضع الميزانية وبدء البروفات واختيار أمكنة التصوير، وهذا جعلنا أصدقاء أكثر منا زملاء مهنة.

 

أي سر يحمله هذا المسلسل الذي لا يزال يعرض حتى الآن؟

السر أنه يعكس واقع الناس كمرآة، ويشير بإصبعه إلى الخطأ بصورة كوميدية ساخرة، دون اللجوء إلى المسّ بكرامة أحد أو تجريحه؛ وقد اعتمد النقد البنّاء لكافة شرائح المجتمع، وتنوعت فيه الكوميديا بين كوميديا ضاحكة وساخرة وكوميديا موقف وكوميديا سوداء.

 

ما هي توقعاتك لمسلسل ياسر العظمة “السنونو”؟ وهل تعتقد أنه سيأتي بجديد فيه؟

بالتأكيد سيأتي بجديد، فهو فنان متميز ويعرف ماذا يريد، وماضيه يشهد له بذلك، خاصة أنه خرج فيه عن المألوف، وانطلق بكاميرته إلى عرض البحر داخلاً القارة العجوز، ليرصد ما يراه مناسباً لعمله من أحداث غريبة وممتعة.

 

أنت من الفنانين المخلصين للإذاعة.. ما الذي يغريك فيها؟

إذا كان المسرح هو أبو الفنون فالإذاعة هي أم الفنون، لأن على الممثل الإذاعي أن يوصل المسمع الذي يقرأه ويؤديه بصوته فقط، وأمام الميكروفون، إلى المستمع بكل إحداثياته ومؤثراته الصوتية المرافقة للمسمع من حركة خطوات أو صعود درج أو فتح باب، عكس المشهد التلفزيوني أو المسرحي؛ وحبّي الكبير للإذاعة التي اعتبرها بيتي الثاني هو لأنني في كل يوم ألعب دوراً مختلفاً عن اليوم الآخر، في حين يقوم الممثل في التلفزيون بأداء شخصية واحدة في جميع الحلقات.

 

هل ستبقى الإذاعة وسيلة إعلامية قادرة على الحياة؟

أعتقد، وبعد مرور أكثر من مئة عام على أول بث إذاعي، لا يزال لجهاز الراديو رونقه وأهميته ودوره كوسيلة إعلامية مهمة في أنحاء العالم. وهنا أشير إلى ما قالته المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو، في رسالة لها في اليوم العالمي للإذاعة، الذي يصادف في الثالث عشر من شباط: “تُعد الإذاعة في الأوقات العصيبة والأحوال العسيرة المحفل الدائم القادر على الجمع بين مختلف الأفراد والجماعات، وتظل في جميع الأحوال والأوقات، سواء أكنّا في طريقنا إلى العمل أم في مكاتبنا أم منازلنا أم حقولنا، وسواء أكنّا في زمن السلم أم الحرب، أم في حالات الطوارئ، مصدراً مهماً للغاية للمعلومات والمعارف عبر مختلف الأجيال والثقافات”.

 

منذ العام 1988 تشارك في مسلسل “حكم العدالة” وتجسد فيه دور رئيس المحكمة ولا تزال.. أي خصوصية يمثلها لك هذا المسلسل؟

برنامج “حكم العدالة” كان المحطة السادسة لي، وأديت فيه دور رئيس المحكمة مدة 34 سنة دون انقطاع. والسنة الماضية، كرّمني وزير الإعلام بحفل كبير أقيم في استوديو الإذاعة، وهذا البرنامج كان يكتبه المحامي هائل اليوسفي منذ العام 1977، وبعد رحيله تابع كتابته نجله المحامي منيب اليوسفي.

 

كيف تفسر النجاح الذي ما زال يلاقيه البرنامج؟

لأنه برنامج ثقافي درامي تربوي توعوي إرشادي ومتابَع في جميع أنحاء العالم العربي، ومصداقيته تنبع من أحداث القضاء التي يقدمها لنا الكاتب بقالب درامي يلقي الضوء على ما سيحل على مرتكب الجريمة من عقاب.

 

أين أنت من السينما؟ وماذا تقول عن تجربتك فيها؟

من المؤسف أن أقول أننا لا نملك سينما إلا ماقدمته المؤسسة العامة للسينما، مثل “سائق الشاحنة”، و”رجال تحت الشمس”، و”كفر قاسم”، و”أحلام المدينة”، و”رسائل شفهية”، و”المصيدة”، و”الكومبارس”. أما باقي الأفلام التي أنتجها القطاع الخاص فكانت تجارية، وقد شاركتُ فيها بأكثر من 60 فيلماً، ولم يكن فيها ما يمت إلى الفن بصلة، وكان المنتجون في ذلك الوقت يستعينون بممثلين مصريين كي يسوقوا فيلمهم خارج القطر، أذكر منهم: حسن يوسف، شمس البارودي، سهير رمزي، فريد شوقي، ناهد شريف، نبيلة عبيد، لبلبة.. أما الفيلم العالمي الذي اعتبره محطة رئيسية في مسيرتي السينمائية فهو فيلم “المؤامرة مستمرة”، والذي كتبه الفنان ريمون بطرس، وأخرجه المخرج السوفييتي ايغور غوستيف، وشارك فيه ممثلون من 20 دولة أجنبية وسورية، وكنا ثلاثة ممثلين: أسعد فضة وطلحت حمدي وأنا؛ وكانت أحداث الفيلم تقع بين دمشق وموسكو وجورجيا، وهو يحكي قصة تدخّل المخابرات المركزية الأميركية بأنظمة بعض الدول العربية.

 

بعد هذه المسيرة الطويلة في عالم التمثيل.. أي دروس تعلمتَها؟ وما هي النتائج التي خرجتَ بها؟

الدرس الذي تعلمتُه هو أنك عندما تصل إلى سنّي تتخلى عنك مهنتك وأصحاب مهنتك، وعليك البحث عن مهنة أخرى تعتاش منها.

 

وماذا تقول للجيل الجديد من الممثلين؟

أنصحهم بتنويع أدوارهم لأن ذلك يبرز قدرات الممثل التي من خلالها يكتشف إمكانياته التي، هو نفسه، قد لا يعرفها؛ والممثل يجب أن يقوم بأي دور يوكل إليه ويخرج من بوتقة الكاركتر الواحد، وعليه أن يحاول أن ينوع بين أدواره وأدائه؛ وأنصح كذلك الذين تألقوا لدرجة النجومية بعدم الغرور لأنه يُعتبر مقبرة الفنان، فهو يوهم صاحبه أنه لا فنان يستطيع القيام بجميع الأدوار إلا هو، ولا يقبل إلا بدور البطولة المطلقة، وهذا خطأ.. ولقب نجم لا يطلق على فنان لأنه برز في هذا العمل أو ذاك، بل يحصل عليه بعد تاريخ طويل وأدوار كثيرة في المسرح والسينما والتلفزيون.. وفي نهاية الأمر، لا يستطيع أحد أن يقيّم الفنان إلا الجمهور، فهو من له الحق فقط بإطلاق الألقاب.

 

ما هو جديدك؟

لم يعد لنا – نحن المتقاعدين – أي جديد، حيث لا يُسمح لنا بالعمل بعد أن تقاعدنا، وسنظل في بيوتنا.