مجلة البعث الأسبوعية

ماذا يجري ؟ .. ماذا بعد ؟

د. مهدي دخل الله

سؤالان يطرحهما السوريون بحرقة هذه الأيام : السؤال الأول هدفه معرفة الحالة الراهنة ، والثاني يتجه نحو المستقبل القريب ..

سؤالان لهما ما يبررهما ، ولا يوجد – وفق منطق الحياة – أسئلة لا معنى لها .. هناك أجوبة لا معنى لها فقط . لذا تقع الصعوبة على عاتق المجيب وليس السائل !.

المشكلة في الإجابة على السؤالين أنهما يتعلقان بجميع مناحي واقعنا في سورية ، المعيشي والعسكري والسياسي ، وغير ذلك من أركان الواقع المركب . والمشكلة الثانية هي في نضوب مصادر المعلومات الدقيقة للاستناد إليها في التحليل والإجابة ..

ولا شك في أن الوضع المعيشي – الاقتصادي هو في رأس قائمة اهتمامات الناس ، لكن من المهم التأكيد أن الوعي الجمعي ليس مجرد حاصل لمجموع وعي الأفراد ، وكذلك الاهتمام الجمعي ليس مجرد حاصل لمجموع اهتمام الأفراد . الظاهرة العامة ( ليست جمعاً خطياً للظواهر الخاصة ، إنها ذات نوعية خاصة ) ، كما يقول عالم السوسيولوجيا السياسية إميل دوركهايم ، وقبله ابن رشد ..

الاهتمام الجمعي يتركز على ماذا بعد ؟ أي متى ستنتهي هذه الدوامة السورية – العالمية ؟ وكيف ستنتهي ؟

وهذا ( الماذا بعد ؟ ) يرتكز على ( ماذا يجري ؟ ) بالتأكيد ..

الأمر المؤكد أن المسافة التي قطعناها أكبر بكثير من المسافة الباقية ، على الرغم من صعوبة هذه ( الباقية ) ، وتعقيداتها وانفتاحها على كل الاحتمالات . لكن الاحتمالات ليست متساوية في حظوظها .. الاحتمال الأساسي والأكبر حظاً هو الانتصار النهائي اعتماداً على نتائج المراحل النوعية خلفنا ، وآخرها مرحلة درعا ..

ما هو معيار التحليل ؟

هناك ثلاثة معايير متداخلة .. أولها وأهمها قدرتنا على حماية قرارنا الوطني وسط ( لعبة الأمم ) على أرضنا . والثاني هو الوضع المعيشي والاقتصادي ، والثالث يتعلق بدورنا العروبي بعد الانتصار . يهمني في هذه العجالة المعيار الأول . الحديث هنا عن مقدار البراعة في الاستفادة من تناقضات أعدائنا على الأرض ، وكذلك مدى حضورنا داخل دائرة العلاقات الإقليمية والدولية المعقدة بصدد الحرب . كيف نتعامل مع العلاقات بين حلفائنا ، خاصة علاقات روسيا مع أمريكا وإسرائيل والسعودية وأوروبا ، لصالح قضيتنا الوطنية التي دفعنا ثمناً غالياً جداً من أجلها ؟.. وكيف نستفيد من العلاقات بين حليفنا الآخر ، إيران ، مع الأطراف المذكورة التي هي علاقات مواجهة ؟؟

يتطلب الأمر براعة تاريخية وتعاملاً منهجياً متعدد الاتجاهات ( من خارج الصندوق ) مع دائرتي العلاقات المذكورتيْن : الدائرة الروسية والدائرة الإيرانية !! .. كيف نستفيد من علاقات التواصل بين روسيا والأطراف المذكورة ، وأيضاً بالمقابل من علاقات التنافر والمواجهة بين إيران والأطراف نفسها ؟ ..

ولا شك في أن الدائرتيْن حاميتان حالياً ، دائرة التواصل ودائرة التنافر ، وقضيتنا هي في المركز . وما يريحنا أمران أساسيان : الأول أنه لا يستطيع أحد في هذا الكون أن يحكم علينا غيابياً لأننا موجودون وفاعلون في المركز ، والثاني أن البراعة التاريخية هي في أعلى مستوياتها ، وقضيتنا في أيدٍ أمينة وبارعة !.. ليس هذا مجرد عاطفة ، وإنما حقيقة أثبتتها التجربة في مواجهة ما لم يواجهه شعب وقائد قط منذ مئات السنين .

القضية المعاشية تتطلب بحثاً خاصاً .. وهي مسألة راهنة وصعبة . لكن لا يمكن قراءتها إلا وفق المنهج المقارن وعلى الأرض ، فقد وصلت الحالة لقعر البئر ، وليس أمامها اليوم سوى الصمود . إشارات الصمود واضحة ، من أهمها ثبات سعر تحويل عملتنا الوطنية ، وبدء تزعزع إجراءات ” قانون قيصر ” الصارمة … وهذا موضوع لحديث آخر ..