مجلة البعث الأسبوعية

اختصاصيون يبدون ملاحظات على آليات تنفيذ مشروع الإصلاح الإداري و “التنمية الإدارية” لا حس ولا خبر!!

البعث الأسبوعية – بشار محي الدين المحمد

 

يعلق السوريون آمالاً كبيرة على المشروع الوطني للإصلاح الإداري الذي أطلق منذ عدة سنوات بهدف النهوض الشامل في الأداء الإداري والعمل المؤسساتي للوزارات والهيئات والمؤسسات العامة في المرحلة القادمة ومكافحة الخلل الإداري بكل جوانبه، وتعتبر وزارة التنمية الإدارية الحامل لهذا المشروع نحو تحقيق أهدافه، فهل أثمرت جهودها مع كافة الجهات المعنية في توجيه وإنجاح هذا المشروع، وهل من مكامن خلل يمكن الإشارة إليها للتصويب، والارتقاء بمستوى الإدارات، والتوظيف الأمثل للكوادر، والخبرات والحفاظ عليها؟.

مآخذ أهل الاختصاص!

حسب المعلومات وصل مشروع الإصلاح الإداري إلى مرحلة استكمال الهياكل التنظيمية، والتوصيف الوظيفي في كافة الجهات العامة، وفي الوقت الحالي لن تتضح كافة المزايا، أو حتى السلبيات إلا بعد فترة من تطبيق هذه  التغييرات على أرض الواقع، هنا تتحفظ الدكتورة سمر قبلان في المعهد العالي للتنمية الإدارية بجامعة دمشق وتشير لبعض المآخذ، فبرأيها أن عملية الإلغاء والدمج التي قامت بها وزارة التنمية الإدارية بناء على دراسة لمراكز العمل في كل جهة وفق تعبيرهم ليست صحيحة بالمجمل بالرغم من وجود مبالغة ملحوظة لا ننكرها في إحداث المديريات في بعض الجهات العامة، ولكن هذا لا يعني أن وزارة عمرها ٦٠ عام يتم دمج وظائفها وفق رؤية الدارسين من وزارة التنمية الذين مهما درسوا لن يصلوا إلى التعمق بالاختصاصات، والمهام لكل مديرية مختصة، ومع أنهم يأخذون رأي الجهات العامة عن طريق فرق الإصلاح المشكلة في تلك الجهات، ولكن بالمحصلة فإن رأي الوزارة هو النافذ، وأما بخصوص المصطلح الذي يتم استخدامه من قبل الوزارة ” ترشيق الجهات الحكومية” أي جعلها غير متخمة بالوظائف فهو صحيح إذا كانت الدراسة كاملة ومستوفية، أما إذا كانت العملية تشبه عملية قام بها الطبيب للحد من وزن مريض، وتوفي المريض الرشيق بعد العملية بوقت قصير بسبب الحد من وزنه بشكل جائر فأين الفائدة مما قمنا به؟!.

تفعيل القوانين سريعاً

أما بخصوص حزمة القوانين التي تعمل عليها الوزارة المعنية بالمشروع، أوضحت الدكتورة قبلان أنهت ليست قوانين جديدة نهائياً، بل قديمة ولا تحتاج سوى الإقرار، وذكرت مثالاً على ذلك قانون الخدمة العامة مع قانون التنظيم المؤسساتي، أو الهياكل التنظيمية وهما كقانون الموظفين الأساسي ذاته طبعاً مع اختلاف التسميات، مضيفةً: نحن الآن لدينا قانون للعاملين جيد، ولدينا توصيف وظيفي أيضاً جيد، ولكن لا يتم تطبيقهما بشكل صحيح، وقانون الكشف عن الذمة المالية كان موجوداً ومطبقاً لكنه الآن  غير مفعل، ومن المفروض الآن وبدلاً من إضاعة الوقت إلى أجل بعيد في إصدار قوانين جديدة فقط تفعيل القوانين الموجودة فنحن الآن أحوج ما نكون إلى تلك القوانين، فقانون الكشف عن الذمة المالية يحد من الفساد واستغلال الوظيفة العامة إلى حد كبير، ويلغي المحسوبيات، والاختلاسات، وعلى ما يبدو هذا سبب وجيه لقيام البعض بعرقلة صدوره، أو تفعيله.

مؤشرات ومعايير

وترى الدكتورة “قبلان” أن أهم عمل يجب أن تقوم به وزارة التنمية الآن هو إعداد مؤشرات تقييم الأداء لشاغلي الوظائف، وللمؤسسات، وهو شي غير موجود حتى الآن رغم أهميته الكبيرة، ومع أن إعداده ليس بالأمر السهل لكنه ليس بالمستحيل، وهناك مؤشرات تقويم أداء حكومية للقطاعين الإداري والاقتصادي ومعمول بها في جميع الدول المتقدمة، فالتحليل المالي للقوائم المالية بالقطاع الاقتصادي ومؤشراته تدل عل كفاءة الإدارة، وكفاءة التشغيل، أو المنشأة ككل، ولغاية الآن لم يتم إعداد القوائم المالية في شركات ومؤسسات القطاع العام الاقتصادي وفق المعايير المحاسبية الدولية، والتي يتم تدريسها في جامعاتنا فقط، أما عملياً فيتم إعداد الميزانيات الختامية بالأسلوب القديم الذي لا يمكن تحليله للوصول لمؤشرات كفاءة الإدارة والتشغيل، وبالرغم من أن وزارة المالية أصدرت قرار تلزم فيه الجهات الاقتصادية بإعداد القوائم المالية منذ ما يربو عن عشرة سنوات لكنها بذات الوقت لم تدرب كوادرها، أو الكوادر في الجهات العامة على عملية التحويل، وكذلك لم يتم تدريب المفتشين في الجهاز المركزي للرقابة المالية، والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش على تدقيق القوائم المالية، وتحليلها، وأما بالنسبة للجهات الخدمية الإدارية فإن هناك أيضاً مؤشرات تقويم أداء تشكل علماً قائماً بحد ذاته، فمثلاً مشفى أطفال يتم تقييم أدائه من خلال مدى انخفاض حالات وفيات الأطفال مقارنة مع سنة سابقة، في حين يسود لدينا تقويم أداء الجهات العامة الإدارية على أساس نسبة الإنفاق من خلال لجان مجلس الشعب أثناء عملية قطع الحساب، وهو الإنفاق المالي حيث يتم السؤال أحياناً عن الانجاز المادي على أرض الواقع، ولكن لا يُسأل على سبيل المثال(هل إقامة المشفى أدت للتخفيف من الأوبئة أو حدت من الوفيات؟) وهذا شيء طبيعي كوننا نعتمد على موازنة البنود، وليس موازنة البرامج والأداء.

لم تحقق المطلوب!

وبرأي الباحث والاستشاري في التدريب والتطوير عبد الرحمن تيشوري أن وزارة التنمية لم تحقق المطلوب منها، أو تنفذ مهامها المنصوص عليها، أو تحقق الإصلاح الإداري، كما لم تتم معالجة قضايا الرواتب والأجور، أو يحصل استثمار للموارد البشرية بالشكل المطلوب حيث تعاني كوادرنا من نزيف يومي ومتزايد بسبب هجرتها.

وقال تيشوري: إن معظم أزماتنا في سورية هي أزمات إدارة بالدرجة الأولى، ومسؤوليات القادة والمديرون في الوقت الراهن هي أعظم وأكبر مما سبق، فالقائد الإداري للمؤسسات اليوم ليس فقط مديراً لها بل هو بنّاء وله دور تأسيسي في ظل ما نعانيه من حالات التخريب، وتعاظم حجم الفساد بالتزامن مع الحرب والحصار، وهنا –يقول تيشوري- يتعين على وزارة التنمية جذب جميع الخبراء الإداريين وتوظيف خبراتهم بالشكل الأنسب، ودعوتهم لفهم التغيير والإصلاح، وهذا أيضاً لم يحصل إذ نشاهد مواضيع مرتبطة بذلك كموضوع المعهد الوطني للإدارة حيث تم تخفيض الحافز المالي للمعهد الذي نص عليه قانون إحداثه ما شكل ضربة كبيرة لتلك المؤسسة، أيضاً لم يتم تعيين الخريجين المؤهلين وفق اختصاصاتهم، واستثمار الخريجين في مواقع متقدمة في كل جهات الدولة.

إدارة طاردة للكفاءات

إن قانون العاملين رقم 50 بحاجة للنسف بشكل كامل لأنه- والكلام لتيشوري- لا يمكن قياس اثنين ونصف المليون موظف عام بقانون واحد، ولم يعد يلبي حاجات الإصلاح الإداري، وقد طالب جميع الخبراء الإداريون بتعديله والعودة لنظام المراتب الوظيفية الذي كان ملحوظاً في قانون الموظفين الأساسي القديم، وبالتالي ينتقل الموظف بين المراتب وفق الاختبارات والجهد الذي يبذله، ولابد في هذا الصدد من تحفيز أصحاب الكفاءات والمؤهلات العالية برواتب وحوافز خاصة بهم ضمن الوظيفة العامة للحفاظ عليهم من التسرب، وإيجاد حد أعلى للولاية الإدارية مدته 3 سنوات تكرر لمرة واحدة ضمن شروط معينة، مشيراً إلى أن بعض الإدارات تكون طاردة للكفاءات، ورغم النقاشات ومحاولات تغيير القانون رقم 50 المتكررة فإنه يذهب إلى أدراج مجلس الشعب، أو إلى أدراج الحكومة، دون أن يبت بأمره رغم ضرورة ذلك ونحن نتحدث عن مشروع الإصلاح الإداري!

وأشار تيشوري إلى أن قانون الكشف عن الذمة المالية لكبار الموظفين في الدولة تمت مناقشته في العام الماضي في أكثر من ندوة، وأكثر من حوار لكنه أيضاً لم يصدر!.

مهنة الإدارة

واقترح الاستشاري “تيشوري” الإستفادة من خريجي المعهد العالي لإدارة الأعمال /هبا،/ والمعهد العالي للتنمية الإدارية بجامعة دمشق، وجعل الإدارة مهنة رسمية من أفضل المهن كغيرها من المهن الطبية والهندسية التي يحصل العاملون بها على شهادة، أو ترخيص لمزاولة المهنة، حيث يحظى العاملون في مهنة الإدارة خارج سورية على أعلى الرواتب وأفضل الميزات نظراً لأهمية عملهم في كافة القطاعات.

بلا رد ودون مبرر!!

رداً على ما سبق من ملاحظات مختلفة تواصلنا مع المكتب الإعلامي لوزارة التنمية الإدارية لتوضيح جهودهم في وضع الحوامل التنفيذية لمشروع الإصلاح الإداري، وأبرز الطروحات لجهة  معالجة قضايا الرواتب والأجور ومتعلقاتها، وبيان الرأي بما لحق بالحافز المالي للمعهد الوطني للإدارة من تخفيض، وبطريقة تعيين الخريجين المؤهلين من المعهد، وبمسألة جعل الإدارة مهنة رسمية  في سورية، وسبب عدم قيام الوزارة بإعداد مؤشرات تقييم الأداء لشاغلي الوظائف وللمؤسسات، وماذا حل بقانوني الخدمة العامة، والكشف عن الذمة المالية، وإن كان دمج وظائف الوزارات تم وفق لترجيح لرؤية الدارسين من قبلهم؟، لكن للأسف حتى تاريخ إعداد هذا التحقيق لم تردنا الإجابة، وهذا طبعاً شيء مستغرب، وغير مبرر على الإطلاق، ويحمل دلالات ومؤشرات غامضة، وخاصة في هذه المرحلة التي يتم فيها التعويل على دور الإعلام الوطني في الكشف عن مواطن الخلل، أو التقصير، أو على الأقل إيضاح الالتباس والغموض بمنتهى الشفافية، مع تأكيدنا، وتأكيد كل من التقيناهم بأن ما تمت إثارته في سياق هذا التحقيق، وما أثير ضمن ما سبقه من تحقيقات يهدف لإيجاد الحلول، لا للتفشيل، أو لعدم تثمين جهد الوزارة، أو أية جهة تعمل في سبيل تحقيق الإدارة المثلى للموارد البشرية كمفتاح للتنمية الشاملة.