دراساتصحيفة البعث

مؤشر الفقر في توقعات الاقتصاد الأمريكي 2022

عناية ناصر

تراجعت ثقة المستهلك في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أدنى مستوى لها منذ عقد في تشرين الثاني الماضي، حيث انخفض مؤشر ثقة المستهلك وفقاً لدراسة في جامعة “ميشيغان” إلى 66.8 بانخفاض حاد عن رقم تشرين الأول 71.7، وأقل بكثير من التوقعات عند 72.4. أي أن التضخم أضّر بالمستهلكين وسيؤثر على المشتريات اليومية بشكل أكثر حدة مما قد يرغب به الاحتياطي الفيدرالي.

إذاً مؤشر الفقر هو اليوم عند 10.80 في المائة، وهي أعلى قراءة منذ عقد إذا تمّ استبعاد ذروة عمليات إغلاق كوفيد-19، عندما وصل مؤشر البؤس إلى 15.13 في المائة، مما جعل المستهلكين يكافحون لتغطية نفقاتهم.

يقول بعض المسؤولين إن التضخم ليس مشكلة، لأنه نتيجة للنمو المرتفع، ويشيرون إلى ارتفاع الأجور كعامل مخفّف. لكن بالنسبة لهم، يكسب الناس أكثر، لذا يمكنهم تحمّله والاستمرار في الاستهلاك. لكن هذا التحليل ما هو إلا كذبة، فوفقاً لقاعدة البيانات الاقتصادية للاحتياطي الفيدرالي في بنك “سانت لويس” الفيدرالي، فإن متوسط ​​الأجور الأسبوعية الحقيقية للمواطنين العاملين بدوام كامل لم يرتفع، بل انخفض ​​بشكل كبير. كما انخفض متوسط ​​الأجور الحقيقية، ورغم أن البطالة آخذة في الانخفاض، لكنها لا تزال أعلى بكثير من مستوى ما قبل الجائحة، فهناك 35 مليون عامل تركوا وظائفهم، وهذا هو السبب في أن معدل المشاركة في العمل ظل راكداً لمدة أحد عشر شهراً، ويمثل هذا واقعاً لا يستطيع المواطنون فيه الحصول على وظيفة.

وعليه يضرّ التضخم بالأعمال التجارية، ويؤدي إلى تآكل هوامشها في ظل اقتصاد قوي يُزعم أنه لا يمكن للمستهلكين تغطية نفقاتهم مع انخفاض متوسط ​​الأجور الحقيقية. لكن الاقتصاد الأمريكي ليس اقتصاداً قوياً، بل إنه ينتظر كارثة، فالتضخم يظل مرتفعاً، وحتى الاحتياطي الفيدرالي يعترف الآن بأن الضغوط التضخمية “مستمرة”.

من هنا يعيش اقتصاد الولايات المتحدة في الوقت الضائع، ففي تقرير خاص حديث لـبنك “جي بي مورجان” (التوقعات الاقتصادية الأمريكية لعام 2022)، يتوقع البنك الاستثماري نمواً قوياً في الإنفاق الاستهلاكي لعام 2022 استناداً إلى تقليل ما يسمونه “المدخرات الزائدة”. لكن ما يظهره التباطؤ الاقتصادي الحالي يؤكد أن هذا الانتعاش المزعوم يكتنفه العديد من عناصر الأزمة، وهي تآكل القوة الشرائية، وارتفاع مؤشر الفقر، وفقدان الرفاهية بشكل عام مع استنفاد المدخرات.

ستكون ثقة المستهلك أسوأ إذا انخفض مستوى المدخرات بشكل أسرع، لكن معدل الادخار مهدّد بسوق عمل ضعيف بشكل خطير، وتضخم متصاعد، وفرص ضعيفة للتحسين. علاوة على ذلك، تختنق الشركات الصغيرة بأسعار المدخلات مع ارتفاع مبيعاتها ولكن الهوامش والأرباح تنخفض. ورغم أن الشركات الصغيرة تشهد انتعاشاً حيث تتحسّن المبيعات، ولكن الوضع المالي يزداد سوءاً، وتستهلك الشركات مدخراتها وائتمانها بسرعة، وفي الوقت نفسه لا توجد حكومة جادة تطلق فورة إنفاق ضخمة على جانب الطلب لمعالجة صدمة العرض.

قد يتمكّن المستهلكون في الولايات المتحدة من تحمّل هذه الفترة بفضل الادخار ومستويات الاستهلاك المعتدلة، لكن المرتكزات التي سمحت لهم بتجاوز الأشهر الماضية تتلاشى، ولذلك فإن الركود التضخمي لن يكون مجرد توقع بل حقيقة واقعة.