تحقيقاتصحيفة البعث

صناعة المنظفات “المغشوشة” في طرطوس.. ورش غير مرخصة وبعد عن الرقابة وإقبال كثيف!!

بشكل ملحوظ ينتشر بيع المنظفات غير المعبأة في كافة أسواق محافظة طرطوس (مدينة وريفاً) إثر حاجة الناس إلى مشروع صغير يدر دخلاً مقبولاً يساعد الأسرة في هذا الظرف العصيب، تلك المنتجات خلقت حالة ارتياح كبيرة لدى المواطنين نتيجة ارتفاع أسعارها “معبأة”، ولأن بيعها “فلت” لبى حاجة المواطنين باقتناء الكمية التي يريدون، وحسب مقدرتهم الشرائية التي تتضاءل يوماً تلو الآخر، ولكن تغلب على تلك الصناعة “كغيرها من المنتجات” حالة من الغش تتمثّل بإضافة الملح بكميات زائدة عن الحد اللازم لتحقق وزناً وربحاً كبيرين للمصنع، كذلك إضافة المياه، وبالتالي تضعف فعالية المادة، الأمر الذي يستوجب مراقبة من قبل دوريات حماية المستهلك الغائبة عن الأسواق التي تحكم نفسها بنفسها!.

تفاوت الرؤى

خلال جولة لـ “البعث” على الأسواق، والحديث مع المواطنين، لاحظنا تفاوتاً في إقبالهم على تلك المنتجات وشرائها، لكن الأكثرية فضّلت اقتناء المنظفات “فلت” نتيجة رخص ثمنها في ظل الواقع الاقتصادي المرير، والبعض استهلك منها فترة، وبعد مدة وعند اكتشاف الغش بشكل جلي وهو ما ظهر بتحسس جلدي لدى بعض ربات المنازل، سرعان ما تم الابتعاد عنها، بالمقابل أكد بائعو المنظفات “غير المعبأة” الإقبال الكبير على شرائها تزامناً مع ضعف المقدرة الشرائية للمواطنين، وارتفاع أسعار المنظفات المعبأة، مشيرين إلى أن الأسعار غير ثابتة كباقي أسعار كافة المواد في السوق، ولكن رغم ذلك تبقى أرخص من المواد المعبأة، حسب رأيهم، وبيّن البائع صالح حبيب أن سعر كيلوغرام الكلور “فلت” 1200 ليرة، وسائل الجلي يباع النوع الوسط منه بـ 1700 ليرة، والممتاز بـ 2500 ليرة للكغ، ويصل سعر كيلوغرام مسحوق الغسالات الآلية إلى 3000 ليرة دون مبيض، ومعه 3700 ليرة، فيما يصل سعر الصابون السائل إلى 2200 ليرة للكغ، موضحاً أن الفرق كبير بين سعر فوط الأطفال المعبأة وغير المعبأة، حيث يباع الكيلوغرام “فلت” بـ 9-10 آلاف ليرة حسب نوعه وجودته.

شامبو بـ 500 ليرة!

ولفتت السيدة سائدة التي افتتحت محلها منذ ثلاث سنوات إلى إقبال الناس على شراء تلك المنتجات غير المعبأة بكميات كبيرة تفوق خمسة ليترات لكل نوع، ولكن منذ سنتين تغيرت الأحوال كثيراً لدى الكثير من الناس ليتجهوا إلى الشراء بكميات ضئيلة، فمنهم من يطلب شامبو بـ 500 ليرة، ومحارم بـ 400 أو 600 ليرة، وهذا ما جعل خيار المواطن أسهل من أن يشتري مثلاً كيس محارم بـ 2800 ليرة وهو لا يملك الثمن، وأوضحت أنها تستجر منتجاتها من معامل المنظفات بطرطوس أو صافيتا، وخلال سنوات الحرب والحصار سعى الكثير من الأفراد لتأسيس مشروع صغير يدر دخلاً يساهم ولو بالحد الأدنى في تأمين مورد رزق إضافي، وقد يكون الأساس، فالموظف موفق السعيد بدأ بمشروعه الصغير منذ خمس سنوات، ولاقى المشروع رواجاً وانتشاراً وإقبالاً من قبل عموم المواطنين، تطور عمله وزاد بيعه ومازال مستمراً.

مواجهة البطالة

بحسب الدكتورة نسرين عبد الرحمن بكلية الاقتصاد في جامعة طرطوس، تعمل المشاريع الصغيرة على معالجة تحديات الفقر من خلال توفير فرص تحسين الدخول، سواء لأصحاب المشاريع، أو للعاملين فيها، وتحسين المستوى المعيشي للسكان المحليين من خلال توفير وتلبية احتياجاتهم من السلع والخدمات، وزيادة المعروض السلعي بأسعار أقل من المنشآت الكبيرة بسبب انخفاض تكلفة العمالة والتسويق، وهذه التكاليف عادة ما يتم تحميلها على السعر، كما أن تلك المشاريع تحقق الاكتفاء الذاتي عبر الاعتماد على الإنتاج المحلي، وتوفير قاعدة للاستقلال والتنويع الاقتصادي للدولة، واستثمار الموارد المحلية التي قد تكون على شكل خامات أولية أو سلع نصف مصنعة أو آلات مصنعة محلياً، وقدرتها على استغلال الطاقات الريادية للشباب، وفتح المجال لاستثمار قدراتهم، وبالتالي المساهمة في الحد من هجرة الطاقات الشابة في الظروف الاقتصادية الصعبة، والمساعدة في تحقيق توازن النمو من خلال تنمية المناطق والأقاليم والأرياف البعيدة، ما يحسّن معيشة سكانها، ويساهم في استقرارهم فيها.

أشكال الغش

وفيما يتعلق بالغش في صناعة المنظفات، أوضحت عبد الرحمن أن الغش يكمن بتقليد العلامة التجارية باستخدام ملصقات أو “كراتين” لعلامات تجارية معروفة بهدف تضليل المستهلك، ومن خلال رداءة المواد الخام المستخدمة في التصنيع، وعدم مطابقتها للمواصفات المطلوبة، كذلك الغش من حيث مدة الصلاحية، فغالباً لا يوجد تاريخ صلاحية محدد، واستخدام عبوات بلاستيكية في الغالب هي قوارير المياه المعدنية، أو استخدام أكياس بلاستيكية في التعبئة، وهي غير صالحة لتعبئة مواد كيماوية، فقد يحدث تفاعل بين العبوة والمنتج ليشكّل خطراً على صحة المستخدمين، إضافة إلى الغش باستخدام ملونات صناعية ممزوجة مع الماء فقط دون وضع مواد فعالة في المنظفات، والغش عبر تخفيفها بالماء.

أضرار صحية 

ورداً على سؤال حول مدى انعكاس الغش على صحة المستهلكين، بيّنت عبد الرحمن أن الخطر الأكبر ينشأ من عدم فعالية مواد التنظيف، وبالتالي تراكم الجراثيم وتكاثرها، مشيرة إلى وجود دراسات توضح أن آثار بعض مواد التنظيف مثل الصابون قد لا تُزال تماماً بالماء، ما يسبب مخاطر صحية خطيرة، لافتة إلى أن المواد المستخدمة في صنع المنظفات هي مواد كيميائية ضارة بشكل عام، فكيف إن كانت رديئة أصلاً؟.

وأوضحت أن المواد المنظفة عادة ما تترك أضراراً على صحة الجلد مثل التهيج والحساسية، وأحياناً تكون حارقة له، كما تسبب ضرراً للعيون وللجهاز التنفسي، وتصل أحياناً لحد الاختناق نتيجة استنشاق مواد سامة ناتجة عن التفاعل، مشيرة إلى أن الخطر يطال أيضاً أصحاب المنشآت أنفسهم وهم يقومون بخلط المواد الخام، وتزداد الأمور سوءاً عند تعرّض أو تعامل الأطفال مع تلك المواد من غير قصد أو علم.

توفير متطلبات التنمية 

وشددت عبد الرحمن على ضرورة متابعة تلك المنتجات وإخضاعها للتحليل للتأكد من صلاحيتها من قبل الجهات المختصة، والعمل على توفير متطلبات بناء وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة لجذب الراغبين بالعمل في هذا المجال، وذلك بتوفير الدعم المالي، والبنية التحتية، وإجراء التعديلات التنظيمية، وتوفير الدعم الفني من قبل الحكومة، وتنظيم السوق ما أمكن عبر السعي لمنح تراخيص رسمية لأصحاب المشاريع، ومساعدتهم على التحول باتجاه الإنتاج الصناعي وفق القوانين والمواصفات لمن أراد، ومعاقبة المخالفين، إضافة إلى القيام بحملات توعية، لاسيما لربات المنازل حول أضرار ومخاطر المنتجات، وعدم الانجرار وراء رخص ثمنها، وتوفير إمكانية الإبلاغ عن حالات الغش عبر تطبيقات الكترونية متاحة للمواطنين، أو أرقام موحدة للجهات الرسمية في كل المحافظات، أو عبر المواقع الرسمية.

معامل غير مرخصة

بدوره مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بطرطوس سالم ناصر لم ينف الغش الكبير بتلك المنتجات، ووجود ورش ومعامل غير مرخصة تنتج دون حيازة بطاقة المواصفات، لافتاً إلى أن دوريات المديرية مستمرة في العمل، وهناك مصادرات للمنتجات، وكتابة ضبوط بناء على نتائج التحاليل، وقد بلغ عددها خلال الشهرين الماضيين /36/ ضبطاً شملت عدم وجود بطاقة مواصفات، ووجودها بشكل لصاقة قابلة للإزالة، ونقص معلومات ببطاقة المواصفات، إضافة إلى مخالفات بعدم حيازة الفواتير، وعدم الإعلان عن السعر، وأوضح ناصر أن الورش التي تعمل وتبيع منتجاتها “فلت” بعبوات مياه الدريكيش تصادر المادة مباشرة، ويتم تنظيم ضبط بحق المنشآت غير المرخصة والمخالفة، وتتم حيازة المادة، كما يتم سحب عينات وإجراء تحليل لناحية المادة الفعالة، إضافة إلى دراسة الأسعار.

 دارين حسن