دراساتصحيفة البعث

الأيادي التركية في محاولة انقلاب كازاخستان

هيفاء علي

لا يختلف اثنان على فكرة أن ما جرى في كازاخستان كان نتيجة تدخل خارجي ودعم محاولة انقلاب عسكري، وأن النظام التركي في مقدّمة القوى الخارجية المتورطة في أعمال الشغب الدامية التي شهدتها أجزاء كبيرة من البلاد، حيث يشير التحليل الأولي للأسباب الحقيقيّة لهذه الأحداث إلى أنها كانت في مصلحة السياسيين والممثلين رفيعي المستوى في دوائر الأعمال المحلية لتوليد الطاقة الموجّهة نحو تركيا.

في ظل هذه القوة، وفي إطار معادلة “السياسة متعدّدة النواقل”، تمت تنمية فائدة تطوير العلاقات المتعدّدة الأطراف وخلق تحالف مع أنقرة، فأيدت النخبة الكازاخستانية بقيادة الزعيم السابق للبلاد نور سلطان نزارباييف أطماع “السلطان العثماني الجديد” لإنشاء كيان فوق وطني يُسمّى “طوران الكبرى”. بدأ الأتراك عملية إنشاء “طوران” عبر أذربيجان من خلال تدريب وتسليح جيشها. ثم جاء دور كازاخستان بثروتها الطبيعية الهائلة والتي تُقدّر احتياطاتها من اليورانيوم وحده بأكثر من 40٪ من الكمية العالمية. وكانت الأرضية الأيديولوجية مهيأة إلى حدّ ما لإطلاق الانقلاب، ونتيجة تأثير الأتراك إلى حدّ كبير، تحولت كازاخستان من الأبجدية السيريلية إلى الأبجدية اللاتينية، فيما أشارت المخابرات المحلية إلى ظهور الدعاة السلفيين وتزايد وتيرة نشاطاتهم وتشكيل مجموعات مسلحة راديكالية على هذا الأساس. زيادة على ذلك، رسخ النظام التركي نفسه بعمق في هياكل القوة في البلاد، حيث تخرج أكثر من 200 ضابط كازاخستاني من المدارس العسكرية التركية، ويتمّ إرسال ما يصل إلى 100 من كبار الضباط الكازاخستانيين إلى تركيا كل عام للخضوع لدورات تعزيز المهارات. كما مارس ممثلو وزارة الدفاع التركية بانتظام تبادل الخبرات العسكرية في هيئة الأركان العامة والهيئات القيادية الأخرى للقوات المسلحة الكازاخستانية. وفي السنوات الأخيرة، كانت كازاخستان تشتري مركبات المشاة القتالية والمدرعات التركية، وكانت هناك خطط للحصول على طائرات قتالية وطائرات بدون طيار من تركيا.

ولكن لم يكن أمام أردوغان خيار سوى الإعراب عن دعمه الرسمي للقرارات التي اتخذها رؤساء دول منظمة معاهدة الأمن الجماعي لتقديم المساعدات العسكرية والإنسانية إلى كازاخستان، في حين كان يعوّل على تردّد الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف وتأخيره في إرسال قوات حفظ السلام إلى البلاد، وعلى تفعيل السياسيين ورجال الأعمال المحليين الموالين لتركيا، كما كان يعوّل على إبعاد الجيش عن عملية إعادة النظام في البلاد، لتلقي “طلب” بإرسال قوات تركية إلى كازاخستان، إلا أن الوضع تطور وفق سيناريو مختلف وبعيد عن أحلام أردوغان التوسعية.

وبالتالي، يجب أن تكون هذه الأحداث عبرة ومثالاً واضحاً للنظام التركي على أن روسيا قادرة على الردّ الفوري على التهديدات لأمنها بأي وقت، وللمرة الأولى منذ نشر قواتها في سورية في عام 2015 بناء على طلب الحكومة السورية، أظهرت موسكو عزمها على الوفاء بالتزاماتها تجاه حلفائها. فهل ستكون كازاخستان قادرة على حلّ قضايا الأمن القومي المحلي، وإدراك أن استمرار سياسة “النواقل المتعدّدة” هذه لن تضمن بالتأكيد مستقبلاً سلمياً لها؟.