اقتصادصحيفة البعث

وماذا عن استرداد مليارات الحمضيات؟

علي عبود

بعدما تكفّلت الحكومة بشراء الحمضيات من المزارعين وجنّبتهم الخسائر الفادحة، فإن السؤال: ماذا ستفعل “السورية للتجارة” بآلاف الأطنان التي استجرتها من الفلاحين إلى مستودعاتها وصالاتها؟

لا يمكن الاعتماد على الاستهلاك الداخلي بفعل الدخول المنخفضة جداً لملايين العاملين بأجر، فآخر اهتمامات الأسرة هو شراء الفواكه وخاصة المفيدة كالحمضيات والتفاح. كما أن القول: إن إقامة معمل للعصائر الذي يدور حوله الجدل منذ أكثر من عشر سنوات كان سيحلّ مشكلة تصريف الحمضيات أمر مبالغ فيه كثيراً، فنحن هنا أمام مليون طن لا بضعة أطنان!!.

نرى أن على الحكومة بعدما انتقلت إليها مهمّة تصريف ما اشترته من حمضيات العمل على مسارين داخلي وخارجي معاً لاسترداد ثمنها وهو بالمليارات وليس بالملايين، كي تتجنّب بدورها الخسائر من جهة، ولكي تتحمّس من جهة أخرى وتشتري المواسم القادمة من الحمضيات دون انتظار لأي توجيه رئاسي.

وقد سبق أن اقترحنا مراراً وتكراراً خيارات عديدة لتصريف الحمضيات في السوق المحلية بالإضافة إلى التصدير، كما أن مجلس الشعب أنجز تقريراً في تسعينات القرن الماضي تضمّن الكثير من التوصيات، لو نفّذتها الحكومات المتعاقبة لما كنا اليوم أمام أزمة حمضيات.

من هذه الخيارات:

ـ التنسيق مع إدارات الفنادق والمنشآت السياحية على تقديم العصائر “الفريش” لزبائنها بدلاً من الاصطناعية، وبتقديم حمضيات المائدة في المناسبات والاحتفالات والندوات والمؤتمرات، سواء الخاصة أم الحكومية.. إلخ.

ـ إلزام معامل العصائر بتصنيع ما لا يقلّ عن 50% من طاقتها الإنتاجية من الحمضيات بديلاً عن “الأسانسانات” المضرّة بالصحة العامة.

ـ إحياء معمل عصير الجبل المتوقف عن العمل منذ سنوات، سواء عبر وزارة الصناعة أو مستثمر جديد.

ـ توجيه معامل الكونسروة الحكومية والخاصة بتصنيع مربيات الحمضيات.

ـ قيام اتحاد الفلاحين من خلال روابطه وجمعياته بتشجيع استهلاك الحمضيات من خلال تسويق كميات منها في المناطق التي لم “تتعود” على استهلاك هذه الفاكهة المفيدة.

ولكن، مهما كانت الكميات المسوّقة داخلياً فإنها لن تكفي لتصريف الجزء الأكبر من الموسم طالما دخول ملايين السوريين محدودة جداً، وبالتالي فإن المنفذ الوحيد واللامحدود للتسويق يبقى التصدير. ومن الملفت أن ما من جهة حكومية ولا خاصة اهتمت حتى الآن بتصدير الحمضيات باستثناء كميات قليلة جداً مقارنة مع ضخامة الإنتاج!!.

ومع أن لبنان الجار والشقيق لم يعانِ يوماً من تصريف حمضياته، فإننا لم نستفد من تجربته الرائدة بالتصدير على الرغم من وجود اتفاقيات مشتركة بين البلدين منذ بدايات تسعينات القرن الماضي، وكان بالإمكان تأسيس شركات تسويق مشتركة لتصدير الحمضيات السورية. والغريب أكثر أن ما من جهة حكومية أو خاصة استفادت من اتجاه أغلب بلدان العالم إلى استيراد السلع الزراعية الخالية من المبيدات أي العضوية، وهي الميزة التي تتمتّع بها حمضياتنا، وقد سبق لخبراء من إيطاليا زاروا سورية منذ ثلاثة عقود أن “اندهشوا” من جودة حمضياتنا، بل واستغربوا عدم تصديرها إلى أوروبا.

ونشير في هذا المجال إلى تقصير الحكومات المتعاقبة بإقامة قنصليات فخرية في بلدان مستوردة للحمضيات يتولى إدارتها رجال مال أجانب أو سوريون مغتربون يعرفون خفايا وأسرار الاستيراد من الخارج لبلدانهم.

أما ما يدعو للاستغراب أكثر فأكثر فهو التقصير الفاضح بتفعيل الاتفاقيات الموقعة، أو بإبرام اتفاقيات جديدة لتصدير الحمضيات إلى دول صديقة كروسيا والصين وفنزويلا أو حليفة كإيران، مع أن الوفود التي زارتنا من هذه الدول أعربت عن استعدادها الدائم منذ سنوات لشراء حمضياتنا، لكننا لم نحرك ساكناً، سواء في الجهات الحكومية أو الخاصة حتى الآن ولا أحد يعرف.. لماذا؟.

وللعلم فإن السوق العراقية متعطشة جداً مثل الأسواق الخليجية إلى حمضياتنا، ومع ذلك صادراتنا إليها متواضعة جداً لأنها غير منافسة من جهة، ولأن تجارنا غير مهتمين كفاية بتصديرها من جهة أخرى.

الخلاصة: يجب على الحكومة أن تدعم تصدير الحمضيات حتى لو تكبّدت الخسائر، لكي تكون أسعارها في البلدان المستوردة لها منافسة، أي أقل من مثيلاتها المنتجة في الدول الأخرى، طالما عائدات المليارات التي اشترت بها الحمضيات ستكون دولارية، أو مقايضة مع سلع نستوردها بالدولار كالزيوت النباتية، أو مستلزمات زراعية كالأسمدة والأعلاف والبذار.. إلخ.