تحقيقاتصحيفة البعث

قد يكون الفقر فرصة.. تمويل بسيط كفيل للبدء بمشروع متناهي الصغر والفطر المحاري أنموذجاً

ذكاء أسعد

في ظلّ الظروف الاقتصادية والمعيشية التي نعيشها، كان لابد من التفكير جدياً بالعمل على بناء اقتصاد وطني يعتمد على قدراتنا الذاتية للتخفيف قدر الإمكان من البطالة وتطويق تفشي الفقر وتشغيل اليد العاملة، وتأتي المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مقدمة الحلول التي تحظى بتشجيع كبير من الجهات الحكومية وخبراء الاقتصاد، كونها تعتبر نقطة انطلاق لعملية التنمية الاقتصادية وتساهم في تحريك عجلة الاقتصاد وعودتها إلى مسارها الطبيعي.

إمكانات متاحة

لا تحتاج المشروعات الصغيرة والمتوسطة لرأس مال كبير، وبالتالي يمكن لأي أسرة أن تعمل بها دون الاعتماد على رؤوس أموال كبيرة عن طريق القروض أو الدعم، وفي الآونة الأخيرة وبتشجيع من المعنيين بدأنا نرى الاهتمام بهذه المشروعات في ريف حماة، بحسب الخبير التنموي أكرم عفيف الذي أشار إلى بدء العديد من الأسر الريفية بمشاريع متناهية الصغر وبتكاليف صغيرة تبدأ بعشرة آلاف ليرة كمشروع زراعة  الفطر المحاري، فإن توفر لدى الأسرة الريفية التبن والحطب فعشرة آلاف كافية للبدء بمشروع كهذا. وبعد نجاح هذه المشاريع -حسب عفيف- يتمّ العمل على مشروع الـ100 ألف ليرة كمشروع البط المصري الذي ينتج سنوياً 3 أو 4 أفواج ينتج في كل مرة 40 إلى 50 بطة، ثم نتجه لمشروع المليون كاقتناء ماعز أو اثنتين تنتجان نحو 240 ألف ليرة شهرياً.

الفقر فرصة!

وأشار عفيف إلى أن الفقر هو فرصة للعمل، خلافاً لما يراه الاقتصادي بأنه كارثة، معتبراً أنه يشكل دافعاً رئيسياً وفرصة للعمل، خاصة وأن سورية هي البلد الوحيد الغنيّ والمتنوع بموارده ولا يوجد فيها “فقر أسود” كما سمّاه، إضافة إلى وجود طاقات كبيرة لابد من استثمارها، ونوّه بضرورة تحويل هذه المشروعات في الريف إلى ثقافة بحيث تنتج الأسرة احتياجاتها بشكل عام ويتمّ تسويق الفائض، فإن استطعنا تشغيل 2 مليون أسرة من أصل 4 ملايين أسرة، تنتج كلّ منها 10 أطنان من “المخللات والعصائر.. وغيرها”، فهذا يؤدي لوفر 20 مليار كيلو غرام. إذن نحن نستطيع إطعام الشرق الأوسط من الطفل الصغير حتى الشيخ الكبير بمقدار 3 كيلو غرام يومياً.

خطوة أولى

يبين الخبير الاقتصادي الدكتور محمد علي حسين، أن هذه المشروعات تبلغ نحو 53% من حيّز الناتج الإجمالي في سورية، معتبراً أن هذه النسبة قليلة جداً مقارنة بباقي الدول وخاصة في ظل توقف عدد كبير من مشاريع القطاع العام عن عملها منذ وقت طويل نتيجة الحرب، وتحتاج تنمية هذه المشروعات -حسب حسين- إلى التخطيط من قبل الحكومة بشكل جديّ ومدّ يد العون لإنجاحها عن طريق منح قروض ميسّرة للمواطنين لمدة لا تقلّ عن ثلاث سنوات معفاة من الفوائد أو بفوائد قليلة تسدّد في وقت لاحق، كما تحتاج لوجود هيئات مجتمعية مدنية في كل منطقة أو قرية تساند المواطنين عن طريق منح قروض وتقدم كافة التسهيلات لهم، وأشار حسين إلى ضرورة التركيز على ذوي الشهداء والجرحى، وخاصة النساء اللواتي فقدن معيلهن وتقديم الدعم لهن للبدء بمشروعات تؤمّن لهن الاكتفاء الذاتي وتصريف الفائض فيما بعد عن طريق وحدات تصنيع أو مصانع مصغرة تؤمنها الدولة.

تجربة ناجحة

المزارع أحمد في ريف سلمية أكد لـ”البعث” أن الظروف المعيشية الصعبة ألزمته بالتفكير جدياً بمشروع اقتصادي زراعي لا يحتاج لتمويل كبير، فاختار الفطر المحاري ذا التكلفة المنخفضة، حيث يمكن زراعته ضمن أكياس نايلون في غرفة محكمة كونه لا يحتاج لمساحات زراعية كبيرة، معتبراً أن هذه الزراعة تناسب منطقة الريف الشرقي في حماة نظراً لشح المياه فيها، حيث يمكن إنجاز هذا المشروع في وسط خاص ويتمّ تصنيعه في ظروف جوية ملائمة ودرجة حرارة بين 15 إلى 25 مع توافر البذار والمخلفات الزراعية كالتبن، وأكياس النايلون. وأكد أحمد أنه مشروع مهمّ ومدرّ للدخل ويستطيع أن يقوم به من يريد، شاباً كان أم سيدة، كونه لا يستهلك جهداً ويبدأ إنتاج الفطر بعد 30 يوماً فقط من زراعته وينتج ثلاث مرات سنوياً بمردود مادي جيد.

دور حكومي

تنفذ هيئة تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة عدة دورات وبرامج مجاناً، إذ بيّن مدير فرعها في حماة غسان جرجس، تنفيذ عدة دورات بريادة الأعمال في فرع الهيئة لتعود بالفائدة على المتدرّبين عن طريق تعليمهم كيفية تنظيم المشروع، جودة المنتج، كيفية البيع والتسعير، إضافة إلى تقديم دراسة جدوى اقتصادية لأي مشروع مجاناً، كما أشار جرجس إلى وجود دورات محاسبية وبرامج خاصة لطالبي العمل، حيث يتمّ تنفيذ دورات في كافة المحافظات تستهدف عنصر الشباب بعدة مجالات كدورات icdl  أو صيانة الحاسوب والجوال، خياطة، سكرتارية، صيانة الكهربائيات وكافة المهن التي يحتاجها الشباب، وتقدّم هذه الخدمات في معاهد متخصّصة واختصاصيين كل في مجاله وتقوم الهيئة بدفع كافة المستحقات، ويتمّ التسجيل عن طريق الهيئة ليصار إلى تدريبهم وفق التسلسل الزمني وترشيح كل 15 اسماً للتدريب في المعهد، كما تقوم الهيئة بتنفيذ عدة معارض في كافة المحافظات السورية بهدف التسويق والترويج ومساعدة المنتج لتسويق منتجه وليكون لديه وكلاء في كافة المحافظات مع تحمّل الهيئة كافة تكاليف الإقامة والمنامة وما إلى ذلك، وبالتالي ينطلق بمشروعه بشكل أوسع.

آفاق مستقبلية

وأشار جرجس إلى تنفيذ اتفاقية مع اتحاد العمال لتدريب العمال وذويهم بهدف تحسين مستوى المعيشة المتضرّر نتيجة الحرب، حيث تمّ التوجّه مع اتحاد العمال لتنفيذ عدة دورات في كافة المحافظات السورية لكل عامل يرغب بذلك أو ذويه (زوج، ابن، أخ) بهدف تعليم الطبقة العاملة حرفة جديدة تساهم في تحسين مستوى معيشتها. ولفت جرجس إلى وجود آفاق جديدة للهيئة متمثلة بمنح تراخيص للمتدربين عن طريقها وإعفائهم من السجل التجاري وكافة الرسوم لمدة عام، وتعمل الهيئة في كافة المحافظات على وضع خطط مستقبلية لدعم المنتج والاقتصاد الوطني عن طريق إقامة حاضنات أعمال في الأرياف للتدريب ومنح آلات ومعدات لمدة عام ليتمّ إنجاح هذه المشروعات.

ويبقى الأمل بأن يستمر هذا الدعم بشكل عملي من أجل إتاحة الفرصة لكل شاب لإنجاز مشروعه الخاص الذي يدعم بالنتيجة التنمية ويعيل الأسرة في التغلب على الظروف المعيشية الصعبة.