الصفحة الاولىسلايد الجريدةصحيفة البعث

برلين وباريس تصرّان على مواصلة الحوار مع موسكو على خلفية مخاوفهما الاقتصادية والأمنية

رغم أنها سارعت في البداية إلى الانصياع للإرادة الأمريكية في فرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على روسيا، على خلفية قيام الأخيرة بعملية عسكرية لحماية سكان دونباس ونزع السلاح الأوكراني وتحييد المتطرفين النازيين عن الحكم في هذا البلد، إلا أنها وبعد أن تم تبريد الرؤوس الساخنة فيها بفعل الشعور بحجم المأزق الاقتصادي الذي وضعت نفسها فيه، اضطرّت الدول الرئيسة في أوروبا (فرنسا- ألمانيا) إلى إعادة مدّ جسور الحوار مع موسكو خوفاً من وصول اقتصاداتها إلى ما تُحمد عُقباه وخاصة بعد أن أدركت أن واشنطن لن تتضرّر كثيراً من العقوبات على مصادر الطاقة الروسية، بينما سيتعيّن على أوروبا أن تعيش كارثة اقتصادية إذا ما سارت في هذا النهج، وسياسياً أيضاً لم يخرج اللقاء بين وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا اليوم بأي جديد كما قال الوزير لافروف الذي أكد أن القيادة الأوكرانية تريد من هذه اللقاءات الظهور الإعلامي بأنها جادة في الحوار مع موسكو ولكن الأخيرة غير جادة، في حين أن المطلوب من كييف واضح جداً ، والأهم أن المفاوضات لا يمكن أن تكون إلا في بيلاروسيا وفي مدينة غوميل.

في الأثناء، أعلن الكرملين أن الرئيس فلاديمير بوتين بحث في اتصال هاتفي اليوم مع نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز تطوّرات الوضع حول الأزمة الأوكرانية واتفقوا على استمرار التواصل فيما بينهم.

وفي تصريح مقتضب للصحفيين أوضح ديمترى بيسكوف المتحدث باسم الكرملين أن المكالمة تركزت على “مواصلة النقاشات حول القضية الأوكرانية”.

من جانبها قالت الحكومة الألمانية في بيان: إن كلاً من ماكرون وشولتز أكد “ضرورة حل الصراع في أوكرانيا عبر المفاوضات وضرورة البقاء على اتصال بشأن الوضع في أوكرانيا”.

وكان بوتين ناقش في اتصال هاتفي أمس مع شولتز “خيارات الجهود السياسية والدبلوماسية في أوكرانيا ولاسيما نتائج الجولة الثالثة من المفاوضات بين موسكو وكييف”، كما أطلعه على محاولات القوميين في أوكرانيا منع الإجلاء الآمن للمدنيين وفقاً لبيان الكرملين. وأجرى بوتين خلال الأيام الماضية العديد من الاتصالات مع قادة الدول الأخرى ورؤساء المنظمات الدولية لمناقشة الوضع في أوكرانيا.

كذلك بحث الرئيس بوتين مع نظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو الوضع حول محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية في أوكرانيا.

ونقلت وكالة بيلتا الرسمية للأنباء في بيلاروس عن لوكاشينكو قوله في اجتماع مع مسؤولي وزارة الدفاع حول الأمن القومي، أنه أجرى في الليلة السابقة اتصالاً هاتفياً مع بوتين أبلغه الأخير فيه بالوضع حول محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية.

وأضاف لوكاشينكو: إنه أمر المتخصصين البيلاروسيين بتزويد المحطة بالطاقة، مشيراً إلى أن هذا النوع من العمل يعدّ ضرورياً للحفاظ على سلامة المنشأة بعد أن قام الأوكرانيون بإعاقة إمدادات الطاقة الخاصة بها وسط التطورات الجارية هناك.

وكانت الأنباء أفادت في وقت سابق بأن الأوكرانيين نفذوا “هجوماً كاذباً” استهدفوا خلاله منشآت شبكة الكهرباء التي توفر الطاقة لمحطة تشيرنوبيل للطاقة النووية، لكن المتخصصين الروسيين اتخذوا إجراءات سريعة للتحول إلى مولدات الديزل الاحتياطية.

وقال نائب وزير الطاقة الروسي بافيل سوروكين: إن قضية استعادة التيار الكهربائي في المحطة من نظام الطاقة البيلاروسي بموجب النظام الدائم المتبع تم حلها مع الجانب البيلاروسي.

في سياق متصل، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بلاده تريد من أوكرانيا أن تكون دولة محايدة منزوعة السلاح خالية من النازية ولا تمثل تهديداً لأمن روسيا، مشيراً إلى أن موسكو تدعم كل أنواع الاتصالات مع الجانب الأوكراني بهدف تحقيق التسوية.

وبيّن لافروف خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماعه مع نظيره الأوكراني ديمتري كوليبا في أنطاليا اليوم بحضور وزير خارجية النظام التركي مولود جاويش أوغلو، أنه جرت مناقشة الممرات الإنسانية إلى جانب قضايا أخرى، وقال: “لقد أكدنا أن المبادرة التي تقدّم بها الجانب الروسي في وقت سابق لفتح الممرات الإنسانية يومياً تبقى قيد التنفيذ وناقشنا الإجراءات التي تتخذ من العسكريين لتسهيل مرور المدنيين الذين أصبحوا رهائن يستخدمهم المتطرّفون الأوكرانيون دروعاً بشرية”.

وأوضح لافروف أن الغرب عمل طوال سنوات على إيجاد بيئة خطرة في المنطقة وأنه يريد من  أوكرانيا أن تواجه روسيا، مبيّناً أن بلاده لا تريد وجود دولة نازية قرب حدودها وأن كل ما تريده هو أوكرانيا صديقة محايدة منزوعة السلاح خالية من النازية دون أي تهديد لموسكو.

وأشار لافروف إلى أن تزويد الغرب لسلطات كييف بأسلحة فتاكة أمر خطير يشكّل تهديداً لدول عدة، وأن على من يزوّد أوكرانيا بالأسلحة وينقل لها المرتزقة أن يتحمل مسؤولية ما يقوم به، محذراً من أن هذه الأسلحة ومنها أنظمة الصواريخ المحمولة على الكتف يمكن نقلها إلى أي مكان ويستخدمها الإرهابيون في كثير من الأحيان لخلق تهديدات للطيران المدني.

وبيّن لافروف أن الحقائق على الأرض تؤكد أن البنتاغون أقام مختبرات بيولوجية سرية على الأراضي الأوكرانية في انتهاك لمعاهدة منع استخدام وتطوير الأسلحة البيولوجية والكيميائية، مشيراً إلى أن هذا الأمر يثير القلق وأن إنكار الولايات المتحدة لهذه المسألة ليس مفاجأة.

وأعاد لافروف التأكيد أن روسيا لا تتحدث أبداً عن احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة وأن من يتحدّث عن حرب نووية هو حلف شمال الأطلسي “ناتو”.

وحول مزاعم أوكرانيا بأن القوات الروسية قصفت مستشفى في ماريبول قال لافروف: “دار الولادة في ماريوبل خالية من المرضى والموظفين والمبنى تحوّل إلى قاعدة للمتطرفين منذ زمن”.

وفيما يخص العقوبات الغربية المفروضة على روسيا شدّد وزير الخارجية الروسي على أن الولايات المتحدة لن تستطيع أبداً تدمير اقتصاد روسيا، مشدداً على أن بلاده لم ولن تستخدم الغاز والنفط كوسائل حرب اقتصادية وأنه إذا توقفت دول أوروبا عن شراء النفط والغاز فهي حرة والسوق العالمية واسعة ولموسكو أسواق لصادراتها من الطاقة على الدوام.

وعن إمكانية عقد لقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، قال لافروف: “الجميع يعلم أن الرئيس بوتين لا يرفض التواصل أبداً لكننا نريد أن يكون اللقاء جوهرياً ويناقش قضايا محددة”.

إلى ذلك، أعلن كونستاتين غافريلوف رئيس الوفد الروسي إلى محادثات فيينا حول الأمن العسكري والسيطرة على التسلح، أن أحد الأسباب التي دفعت روسيا لإطلاق عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا كان احتمال تصنيع الأخيرة السلاح النووي.

ونقلت وكالة تاس عن غافريلوف قوله على قناة سولوفيوف على اليوتيوب اليوم: أحد الدوافع التي تقف وراء العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا كان خطر ظهور قنبلة نووية قذرة، وحسب المعلومات التي لدينا فإن الأوكرانيين كانوا ولا يزالون يمتلكون التكنولوجيا اللازمة لتحقيق هذا الهدف.. وإن الأمر مسألة وقت ليس إلا.

وأضاف غافريلوف: بالطبع يجب تقديم دليل على ما نقوله.. وقد عرضنا شرائح صور وقمنا بنشرها وقدّمنا تصريحات بهذا الشأن تم تعميمها أيضاً.. وهذا نوع من تداول الوثائق على المستوى الرسمي الذي لا يمكن لأحد مجادلته أو إثبات عكسه وهو ما أثار استياءهم لأنهم لا يستطيعون إثبات أي شيء.

وشدّد غافريلوف على عزم روسيا الاستمرار في تقديم الحقائق حول التطورات ومواصلة الحوار العقلاني مع الشركاء الغربيين.

دولياً، ترجمت قيادة الاتحاد الأوروبي المخاوف الكبيرة في الاتحاد من حصول كارثة اقتصادية في أوروبا إذا أقدمت موسكو على قطع الغاز والنفط الروسيين عن القارة، حيث أكد مفوّض السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن الاتحاد الأوروبي لن يفرض حظراً على النفط والغاز الروسي بسبب اعتماده الشديد على هذه المادة.

وأوضح بوريل في تصريحات صحفية اليوم أن استيراد النفط الروسي يشكّل جزءاً صغيراً للولايات المتحدة وهي لا تحتاج إليه تقريباً، ولكن هذا ليس هو الحال بالنسبة للاتحاد الأوروبي لأن روسيا هي مورّد كبير للطاقة هنا.

من جهة ثانية اعتبر بوريل أن فرض حظر طيران فوق أوكرانيا سيؤدّي إلى حرب عالمية ثالثة، مشيراً إلى أن حلف شمال الأطلسي ناتو لن يتدخل في أوكرانيا لأنها ليست عضواً فيه.

وفي السياق ذاته، أعلنت وزيرة التحوّل البيئي الفرنسية باربرا بومبيلي أن دول الاتحاد الأوروبي لا يمكنها أن تفرض حظراً تاماً على وارداتها من النفط والغاز الروسيين على غرار ما فعلت الولايات المتحدة.

وقالت الوزيرة الفرنسية التي تتولى بلادها حالياً الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي خلال زيارة إلى نيويورك أمس: “إن الرئيس الأميركي جو بايدن هو نفسه قال إن الوضع في الولايات المتحدة لا يمكن مقارنته بأوروبا وإنه لم يكن ينوي أن يطلب منا أن نتخذ قراراً من النوع نفسه”.

ويمثل النفط الروسي 8 بالمئة فقط من واردات الولايات المتحدة من هذه المادة، أما الغاز الروسي فلا تستورده، بالمقابل يستورد الاتحاد الأوروبي من روسيا 45 بالمئة من مشترياته من الغاز والفحم و25 بالمئة من مشترياته من النفط.

وفي حين قررت واشنطن ولندن وقف وارداتهما من الغاز والنفط الروسيين الأولى فوراً والثانية بحلول نهاية العام، فإن الاتحاد الأوروبي الذي يعتمد أكثر بكثير منهما على مصادر الطاقة الروسية ليس جاهزاً لأن يحذو حذوهما، لكنه مع ذلك قرر التصرف بطريقة يخفض فيها مشترياته من الغاز الروسي بمقدار الثلثين بدءاً من هذا العام.