مجلة البعث الأسبوعية

المرأة المكافحة التي تحدت الصعاب وقررت فتح مشروعها الخاص

درعا- دعاء الرفاعي

قصص وحكايات النضال والبطولة والصبر والصمود والتضحيات التي سطرتها المرأة السورية كثيرة و كثيرة جداً، ويمكن وصفها بالأسطورية إلى أبعد الحدود، والواضح أن المرأة السورية تواصل لعب كل هذه الأدوار النضالية إلى جانب زوجها أو ابنها أو قريبها طالما هناك وطن يعاني من قسوة الحرب، وكنموذج على تلك المرأة المكافحة، وكمثال لهذه النماذج الناجحة في قدرة المرأة على العمل من المنزل أو إدارة مشاريع لحسابها الخاص، فلقد استطاعت من خلالها الظفر بإيجابيات العمل خارج المنزل وتجنب سلبياته، وتعد المطاعم المنزلية النسائية ظاهرة انتشرت بشكل كبير وسريع في المنطقة انطلقت من الأعراس والحفلات ومناسبات العزاء، في سعي المرأة للمساهمة في توفير احتياجات الأسرة والأبناء، خاصة في مواجهة الغلاء من خلال امتهانها بعض المهن البسيطة في المنزل، وعمل مشاريع صغيرة تساعد زوجها وأولادها على التخفيف من الأعباء المعيشية، وذلك حسب إمكانية ربة البيت المتوفرة لديها ومهاراتها، ومن أكثر المشاريع المنتشرة بينهن مطابخ البيوت أو كما تسميها بعض النساء مطاعم الأكل المنزلي، ورحلتنا في عالم المطاعم المنزلية كشفت عن الكثير من قصص نجاح سيدات استعن بخبرتهن الفطرية في إعداد أشهى المأكولات المنزلية، التي أصبحت تنافس المطاعم العامة بطعمها اللذيذ ونظافتها، لتنفيذ مشروعات صغيرة بسيطة تدر دخلا ماديا مناسباً يساعدهن على مواجهة متطلبات الحياة الكثيرة.

 

السيدة “أم طه” كما هي معروفة في المجتمع الحوراني في حوار دار مع “البعث” تقول فيه: إنني وفي سني الخمسيني هذا، خضت مجموعة من التجارب القاسية والتي بقساوتها علمتني أن الحياة لا تتوقف عند أحد، بل هي مستمرة رغما عنا، عشنا اللحظات وظننا أنها هي الحياة، لكن مرارة الواقع شيء آخر جعلني أتعلم كيف أكسب قوت يومي من عرق جبيني، كيف أعمل وأتعب وأعيل أسرة تتكون من سبع بنات وشابين، وأنا الآن  فخورة بما أقوم به.

تضيف “أم طه” أنها بدأت فكرتها و مشروعها الصغير بتلبية طلبات الزبائن من مطبخ منزلها منذ ثلاثين عاماً بعد أن لاحظت استحسان جاراتها للمأكولات التي تعدها، وعندها عرضت “أم طه” الفكرة على صديقاتها وأقربائها لتبدأ في هذا المشروع المتواضع.

وأوضحت أن الجيران والمعارف يطلبون منها إعداد الأكلات لأنها لذيذة وطازجة ومذاقها جيد، وتعدها بنظافة تامة ويفضلونها عن أكلات المطاعم، حيث أنها لم تيأس في بادئ الأمر من قلة عدد الزبائن ومرتادي المطبخ الذي افتتحته، ولكن بعد فترة اشتهرت هذه السيدة ضمن الحي الذي تقطن فيه، ونظرا لشهرتها الواسعة فقد قررت افتتاح مطبخها الخاص منذ عام ونصف ضمن مدينة درعا لتلبية أكبر عدد من الطلبات وضمت إليه العديد من النسوة والفتيات اللواتي يرغبن بتعلم فنون الطبخ ومساعدتهن للوصول إلى نتائج مرضية تمكنهن من فتح مشاريعهن الخاصة، وتضيف هذه السيدة أن أيام الجمعة من كل أسبوع تشهد ضغطاً كبيراً من ناحية تلقي الطلبات، ومع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك يزداد أيضاً ضغط العمل لديها لتستطيع أن تلبي كل الزبائن الذين باتوا يرتادون مطبخها المتواضع للحصول على ألذ الوجبات.

 

يحدثنا كل من يعرف السيدة عالية عن أطباقها الحورانية اللذيذة والتي تتنوع مابين خبز القالب، والفطائر الحورانية، المكامير، وكافة أنواع المعجنات والمليحي والمناسف والكبة وغيرها من الأكلات التي تصعب على الجيل الجديد من حيث التعب والجهد والوقت الذي يحتاجه إعداد مثل هذه الأطباق.

تسعى “أم طه” اليوم للحصول على دعم وتمويل لمشروعها الصغير الذي حقق النجاح بفضل إرادتها وتصميمها من خلال المنظمات التي ترعى المهن الصغيرة بهدف توسعتها وتزويدها بالآلات والتجهيزات اللازمة التي تمكنها من تكبير مشروعها والوصول إلى مردود مادي أكبر.

وكلمة حق تقال ونحن نعيش أيام عيد المرأة فقد شهدت سورية تطوراً كثيراً في ملف المرأة السورية الأم والعاملة والمعلمة وربة المنزل بشكل عام! وبالأخير قد يطول الحديث نظراً لما عاينته وعاشته المرأة في سورية عموماً من حروب ونزاعات أهلية ومن لجوء وضرر وقسوة الحياة، ولا بد في اليوم العالمي للمرأة أن يكون هناك فرصة للقيام بمراجعة حقيقية واستعراض ما تحقق من خطوات وإنجازات على صعيد تمكين المرأة من منحها كافة حقوقها في مختلف المجالات.