مجلة البعث الأسبوعية

الأسد في الإمارات ملامــح الواقعـيــة الجـديــدة

د. مهدي دخل الله

زيارة الرئيس الأسد إلى الأمارات تفتح باب البحث في ملامح الوعي السياسي استناداً إلى الواقعية الجديدة ، بغية الوصول إلى الأسلوب الناجع في تدبر الأمور والتحكم بها . فقد كانت الاستراتيجيات السياسية تبنى على الإيديولوجيا ، لكنها اليوم تبنى على المبادئ العامة في التعامل مع الواقع المحسوس . الإيديولوجيا غالباً تقفز فوق الواقع ، وفي كثير من الأحيان تتعامى عنه . وفي الجانب الآخر المعاكس للإيديولوجيا ، لا تهتم الذرائعية ( البراغماتية ) كثيراً بالمبادئ ، وترى في النفعية الهدف الأول والأخير …

التطرف في المستند الإيديولوجي يجعلك خارج التاريخ ، وبالمقابل التطرف في الذرائعية المبتذلة يجعلك عبداً للوقائع ، دونما أي مستند مبدئي أو تصور لغاياتك وأهدافك …

المبدئية الواقعية ، على العكس من ذلك ، تمكنك من فهم الواقع المحسوس والاعتراف به بغية استقراء الإمكانات التي يقدمها للتقدم باتجاه أهدافك . ومن المعروف أن الأهداف الاستراتيجية لا يمكن أن تقوم وتتحقق دفعة واحدة . وإنما لابد من مرحلتها ( تحقيقها مراحلياً ) ، وأن مضمون المرحلة هو مضمون واقعي بالضرورة …

أساس الواقعية الجديدة أن تستطيع كشف ما تقدمه لك المرحلة ، أي الواقع ، من إمكانات تخدم في النهاية أهدافك . المرحلة الحالية في واقعنا العربي تستند إلى عدد من المواصفات التي لابد من الاعتراف بها للتعامل – مبدئياً – معها :

1- تزداد أهمية المنطقة العربية في مجمل العلاقات الدولية ، بسبب الجغرافيا والجيواستراتيجيا .. هذا العنصر يحدد أولوية فهم العلاقات الدولية في رسم استراتيجيتنا السياسية ..

2- لم تعد الإيديولوجيا تتحكم بالعلاقات الدولية ، بل اصبح التناقض قائماً بين حلف الاستقلال وحلف الهيمنة ، وهذه ليست قضايا إيديولوجية ..

3- العلاقات الدولية ( النظام الدولي ) ذات بنية مركبة ومتداخلة وتعددية .. هذا العنصر يتطلب استراتيجية مركبة وتعددية .. لكنها ينبغي أن تكون واضحة حتى لا نضيع في أمواج الواقع ..

4- العنصر الأساسي في بنية العلاقات الدولية أن هناك قوى فاعلة ، ذات إرادة ، وقوى منفعلة .. هذا العنصر يتطلب أن نكون قوة فاعلة ..

5- أن البنية المركبة لا تسمح بوجود خيارات سياسية خالصة وجيدة ، دائماً هناك خيارات سيئة وخيارات أقل سوءاً . مع العلم أن الخيارات الأقل سوءاً هي خيارات جيدة بالمقارنة مع الخيارات الأكثر سوءاً ..

6- لذا فإن المنهج النسبي المقارن هو المعيار الحقيقي في الخيارات .. وهذا يواجهه الإنسان في حياته اليومية حيث يواجه خيارات ذات مستويات متفاوتة ، لكن لا يوجد خيار جيد خالص مائة بالمائة ..

7- إن تعددية بنية الواقع تفرض بناء محاور دولية عدة حسب الحاجة إليها ، هناك مثلاً محور المقاومة ، ومحور الاستقلال ، ومحور العروبة ( العلاقات العربية ) وكل محور له خصائصه ، ولا يجوز التعامل معها عبر معيار واحد ..

8- لابد من الاعتراف بانسحاب الإيديولوجيا من الاهتمامات السياسية وظهور المبادئ الوطنية والدولية كمعيار أساس للسلوك السياسي . فالإيديولوجيا لا تحكم محور المقاومة ولا محور الاستقلال ( وهناك فوراق إيديولوجية واضحة بين دول المحورين ) . ما يحكم المحورين معيار الوطنية وحماية الاستقلال ومواجهة الهيمنة وأحادية القطب ..

9- تراجع الإيديولوجيا أمام الأولويات الوطنية ، ذات البعد الدولي ، يتطلب وحدة المجتمع وتراصه ، فالوحدة الوطنية تصبح ضرورة ملحّة ونفياً للصراعات الفئوية والطبقية بين أبناء الشعب الواحد . معيار الفرد هنا التزامه الوطني وليس الفئوي أو الطبقي ..

10- إن مبدأ العروبة هو الأساس في التعامل مع الدول العربية بغض النظر عن مدى ارتباط عدد من هذه الدول بالمبدأ المذكور ..

11- تراجع الإيديولوجيا يعزز مبدأ العروبة ، ويسمح بقبول تعدد الآراء والتحالفات بين الدول العربية بما يخدم العمل القومي التعددي ..