رأيصحيفة البعث

“الدستورية” و”آمنة” أردوغان ..وعودة “لافارج”

أحمد حسن

بالمطلق، لا يتسق الحديث، في هذه اللحظة، عن “اللجنة الدستورية” العتيدة بعد الرسائل “البايدينية” التقسيمية في سورية والاستجابة الأردوغانية السريعة لها.

ففيما يتحضّر السوريون لـ “الجولة الثامنة” من اجتماعات اللجنة، كان الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، وهو زعيم فريق الحرب على سورية، قد أفرغها من معناها بالكامل برسائله المخالفة، بمضمونها وتوجهاتها، ليس لعمل “اللجنة” فقط بل لحلّ الأزمة السورية بكاملها، بعد إقراره إعفاءات جزئية من “قانون قيصر” لمناطق محددة وإعادته – عن وعي تام – إنعاش برامج أحلام الانفصاليين فيها، سواء كانوا “ميليشيات” محلية أو قوى إقليمية حولتها أوهام زعمائها إلى ميليشيات، ولو دوليّة، أيضاً.

والحال فإن إعفاءات “قيصر” ذات الخلفية التقسيمية أعادت إحياء “آمنة” أردوغان التي سعى إليها طوال فترة الحرب بديلاً عن “صلاته” المستحيلة، كفاتح، في الأموي الكبير، وأعادت معها أيضاً حضور ومطامع شركات “النهب” الدولي العابرة للقارات حتى ولو كانت تمتلك سجلاً قضائياً مدموغاً بتهمة التعامل مع “داعش”، بل وربما كان في ذلك نقطة تفضيلية لها على سواها في عالم “الأربعين حرامي” المعاصر.

فعلى سبيل المثال دفعت “إعفاءات قيصر” الجزئية بعملاء بايدن في شمال شرقي سورية، وبدفع من إدارته طبعاً، بالتلويح بورقة العودة إلى المنطقة لشركة “لافارج” وهي الشركة التي أكّد القضاء الفرنسي مرة جديدة، منذ أيام قليلة، اتهامها بـ “التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية” في سورية لتعاملها مع “داعش”، بملايين الدولارات.

وزن الشركة العملاقة وحجمها وتداخل الاقتصادي بالسياسي، وتأكيد القضاء الفرنسي، في حكمه الأخير، أنها موّلت “داعش” عن “دراية”، لا يسمح، إلا للمغفلين، بتبرئة الإدارة الفرنسية، والأمريكية طبعاً، من “الدراية” المسبقة والمشاركة الفاعلة، والمتواطئة، في نشاط الشركة الداعشي، لكن الاقتصاد والسياسة أيضاً كانوا يدفعونهما للصمت والموافقة حتى لو كان شريكها يقطع رؤوس غربيين أيضاً من ذوي الشعور الشقراء والعيون الزرق، فالمهم بالنسبة لهم أن العدو المشترك بين الجميع هو الدولة السورية.

واليوم يعيد الاقتصاد والسياسة – وتحديداً ارتدادات حرب أوكرانيا – والعدو ذاته، أي الدولة السورية، الجميع إلى المربع الأول، ويدفعهم للعمل مع شريكين آخرين “يقطعان” أيضاً لقمة عيش السوريين ويسرقان نفطهم وثرواتهم في مسعاهما – وإن المتضارب موضوعياً – لـ”اقتطاع” جزء من أرضهم، سواء لتحقيق وهم “الانفصالي الذاتي” عليها كما في حالة “قسد” أو لزيادة رقعة السلطنة كما في حالة “السلطان العثماني”.

وبالطبع فإن دمشق التي تتابع كل ذلك لن تقف مكتوفة الأيدي أمامه، وهي وإن أشهرت حقها، كدولة سيدة وعضو في المجتمع الدولي، بمطالبة العالم “برفض أوهام نظام أردوغان الشيطانية”، وتحذيره من خطرها على النظام العالمي، إلا أنها أكدت أنها ستشهر “سيفها” في هذه المواجهة، لكنها أيضاً، وإيماناً منها بحقيقة أن المشكلة المركبة تحتاج إلى حلول متنوعة يقوم كل منها بتفكيك خيط من خيوط الأزمة، مهّدت للجولة “الثامنة” من الدستورية بخطوة كبيرة جداً نحو المصالحة الداخلية عبر مرسوم العفو الأخير.

بيد أن ذلك لا يعفي العالم من مسؤولياته. صمته، سواء كان عن ضعف وقلة حيلة أو عن مشاركة واعية في الجريمة، يجعل من جولات “بيدرسون” مجرد “حكايات” عن الدستورية، وجزء من مسرح اللامعقول، وذلك ما يفرض على أحد ما، من فريقه، أن يوجّهه باتجاه واشنطن كي يحصل منها على تفويض حقيقي وعلني بالحلّ والالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة، وشرط ذلك الرئيس الامتناع عن العرقلة الدائمة، ولجم أطماع وأوهام “أتباعها” في المنطقة، سواء كانوا ميليشيات محلية أو إقليمية متنكرة بـ”زي” دولة.. غير ذلك قبض ريح ليس أكثر.