رأيصحيفة البعث

اعتراف “آبي” ونصيحة “كيسنجر” وشهد “شاهدان” من أهله!!

أحمد حسن 
السياسي المخضرم شينزو آبي، لم يكن يوماً من جماهير “حلف وارسو” وأنصاره، إنه رئيس وزراء اليابان السابق، التي بينها وبين روسيا ما صنع الحداد، لكنه، وعلى عادة الساسة الغربيين الكبار، حلّت به بعد التقاعد “ملكة” الحكمة وعادت إليه روح الموضوعية، لذلك وجد نفسه مضطراً وخلافاً لقواعد “الانضباط” الرسمية، والملزمة، خلف “رؤية” السيد الساكن في البيت الأبيض، كي يعترف، وبصورة لا تقبل اللبس، أن “موقف الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي من عضوية بلاده في الناتو، ورفضه حل النزاع في دونباس أدى إلى إطلاق عملية روسية خاصة في أوكرانيا”.
بيد أن الأخطر من الاعتراف هو تحميله المسؤولية عما حدث، ولو بصورة مضمرة، لواشنطن، حين أضاف، وهو الرجل العارف بحقائق الأمور وبواطنها، من واقع الممارسة لا التنظير، أن “الرئيس الأمريكي جو بايدن يستطيع التأثير على زيلينسكي”.
أيضاً، هنري كيسنجر، وهو من هو في السياسة والعقل الغربي، طالب خلال “مؤتمر دافوس” بحل سريع للأزمة، ولو اقتضى ذلك منح روسيا ما تريده في أوكرانيا، كيلا تتدهور الأمور أكثر.
“آبي” لم تقده “الحكمة” فقط لذلك، بل أيضاً المصلحة، فبحسب صحف يابانية تؤثر العقوبات ضد روسيا، والتي تشارك بها طوكيو، سلباً على 15 ألف شركة يابانية، وليس ذلك فقط بل على مستوى معيشة المواطن الياباني أيضاً جراء حدوث ارتفاع حاد في أسعار السلع.
كيسنجر أيضاً، كان دافعه المصلحة ذاتها، أي خوفه من تداعيات ما يحصل على بلاده، وليس على السلم العالمي، الذي لم يعنه كثيراً إلا في سبيل بناء صورته كرجل السلام والحكمة -بعد التقاعد كما جرت عليه العادة- فدوره في مآسي العالم، وفيتنام ومأساة العرب الكبرى فلسطين أمثلة لا غير، غير خاف على أحد.
“الرجل” يعرف أيضاً أن الخطر الحالي في أوكرانيا، والقادم من “تايوان”، لا يطال واشنطن فقط بل حلفائها أيضاً – مثلاً رأى نائب المستشار الألماني، روبرت هابك أن الوحدة الأوروبية “بدأت بالانهيار” بسبب العقوبات ضد روسيا- أي “الغرب” بأكمله أولاً، وتلك قضية مفصلية للعقل الغربي السياسي والحضاري.
وإذا كان من الواضح أن الرجلين لم يضيفا شيئاً إلى ما يعرفه العالم بأسره، باستثناء بعض المغيبين عن الواقع، سواء لنقص في الوعي أم في “الدولار”، إلا أن مكانتهما، الفعلية السابقة والرمزية الحالية، هي من تضفي على كلامهما هذه الأهمية، وتمنحها أهمية “شهادة شاهد من أهله”.
إذاً القضية – الاستعصاء الاوكراني الذي تحول إلى مأساة وصاعق تفجير عالمي أيضاً- كان يمكن أن تُحلّ من البداية لولا واشنطن، بحسب “آبي”، ويجب حلّها سريعاً من أجل واشنطن ذاتها أولاً والعالم الغربي ثانياً، بحسب كيسنجر.
في الحالتين يبرز اسم واشنطن باعتبارها السبب الأول كما هي الخاسر شبه الأكبر مما يحدث، لكن ما يتجاوزه الرجلان في كلامهما هو حقيقة أن واشنطن التي بنت “فخ دونباس” في أوكرانيا، وتسعى اليوم لبناء “فخ تايوان” في جوار الصين، إنما قامت ليس بما “تعرفه” فقط وما اعتادت على فعله “طواعية” في السياسة الدولية، بل أيضاً بما أصبحت مضطرة لـ”اقترافه” في هذه اللحظة الحرجة من حياة “الإمبراطورية” التي بُنيت على جرائم مشابهة لما يحدث اليوم في أوكرانيا، وما عانينا منه، ولا نزال، في منطقتنا، وما هو متوقع حدوثه في آسيا أيضاً.
بالمحصلة، لا أحد يماري في مسؤولية واشنطن، وفي دور الـ “باكس أمريكانا” في تزايد العنف في العالم، وأصوات “الحكماء” وخاصة الغربيين منهم تأتي دائماً متأخرة، وهي هنا، وخلافاً للمثل الشهير، ليست خيراً أبداً، لكنها مؤشر على عمق المأزق المصنوع من رفض واشنطن لحتمية اقتراب عالم متعدد الأقطاب، ومؤشر على عالم قادم لا ريب فيه.