مجلة البعث الأسبوعية

بين التأمين الزراعي وصناديق التعويض..!؟ تجربة تأمين “البيوت المحمية” بصيغته الحالية نوع من الجباية..واختلاف المفاهيم والتطبيق حول  مفهومه..!

دمشق -فاتن شنان

حصد قرار إطلاق منتج التأمين الزراعي والذي خص البيوت المحمية بمظلة تأمينية، العديد من الآراء المتباينة حول العديد من القضايا الهامة التي يُعنى بها التأمين الزراعي، ومدى قدرته على تقديم دعم حقيقي يسهم في حماية المنتج الزراعي والتصدي لإشكاليات القطاع الزراعي بشكل عام وأخطاره المحتملة، إلى جانب آليات التطبيق والتنفيذ التي سيتم اعتمادها باعتباره التجربة الأولى في سورية، والتي شابها العديد من التساؤلات حول كيفية التعويض ومطارحه وآلية حصر الأضرار وتقيمها بما يتناسب مع سقف التأميني المطروح والمقدر بخمسة ملايين ليرة سورية، على الرغم من ارتفاع تكلفة العملية الزراعية ومستلزماتها من بذار وأسمدة ومحروقات قد تتجاوز الرقم المعتمد بأضعاف عدة، حسبما تساءل عدد من الخبراء.

كذلك اعتبر بعض خبراء التأمين، أن الصيغة المطروحة تندرج في إطار الجباية التي تعتمدها الحكومة منذ وقت، وذلك بربط التأمين بالترخيص النظامي ما يؤدي إلى زيادة التكلفة على المزارع مقابل الانضواء تحت مظلة تأمين لا تفي بحجم الضرر المحتمل.

من الأولويات…

لاشك أن التأمين الزراعي يتصدر أولويات السياسات الحكومية، وذلك لارتفاع نسب الأخطار والأضرار الحاصلة خلال السنوات الأخيرة من جهة، ولتشجيع المزارعين بالاستمرار في عملهم وجذب الاستثمارات الطامحة لخوض هذا المضمار لزيادة الإنتاج الزراعي وتوفير السلع الغذائية ضمن السوق المحلية لاسيما في ظل ما يتعرض له الأمن الغذائي على المستوى العالمي والمحلي من انعكاسات الأزمة الروسية الأوكرانية، ولكن بعد عدة مناقشات ودراسات طالت العديد من الأنواع التأمينية منها تأمين المواشي والمحاصيل الاستراتيجية والأساسية ومحصولي البطاطا والبندورة.

آلية غير واضحة..!

ولكن صدور القرار بتأمين زراعي جزئي للبيوت المحمية أمر أثار حفيضة خبراء الزراعة والتأمين، إذ بين الخبير التأميني المهندس سامر العش أن التأمين الزراعي له محددات من الصعب تحقيقها في سورية، إلى جانب العديد من العوامل يجب توافرها في عملية التأمين ليسهل تطبيقه على أرض الواقع، كضرورة التنسيق والتشاركية مع الجهات المعنية كالوحدات الفلاحية على سبيل المثال، وكل جهة لها تواصل مباشر مع المزارعين لتكون شريك فعال في العملية، وذلك لقدرتها على تحديد حجم الضرر في المحاصيل أو المواسم وتحديد الملكيات الزراعية وأنواعها وحجومها وماهية إنتاجها وحجمه.

كما لفت العش إلى عدد من التساؤلات حول آلية التعويض غير الموضحة في القرار، إذ نص القرار على تعويض تكاليف البيت البلاستيكي وما ضمنه من مزروعات، وبالتالي هل سيكون التعويض على تكلفة البيت البلاسيكي والذي يفوق كلفة تأسيسه عشرة ملايين ليرة ، أم التعويض سيكون للبذار والأسمدة والمزروعات، والتي يصعب تحديدها كونها تتطلب تقييم أولي لمعرفة الكميات المزروعة وتقييم نهائي لحجم الإنتاج، ما يشي بغياب تفاصيل هامة تحدد وتوضح آلية التعويض ومدى صعوبة حصر الضرر أو تعويضه بشكل واقعي مقنع للمزارع.

مرحلة تجريبية

مدير مركز الوطني للسياسات الزراعية رائد حمزة بين أن تم تشكيل لجنة تضم كافة الجهات المعنية كوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي والمالية واتحاد العام للفلاحين والمصرف الزراعي والمؤسسة السورية للتأمين وهيئة الإشراف على التأمين، وتم دراسة عدة مقترحات لطرح منتج تأميني زراعي واستعراض سبعة محاصيل كمحصول القمح والقطن والبيوت المحمية والبطاطا من المنتجات النباتية بالإضافة إلى مادة الفروج والأبقار والأغنام من الثروة الحيوانية، ولكن كون مشروع التأمين الزراعي هو مشروع جديد على السوق التأمين السورية، فلا يمكن أن يتم البدء بكافة المشاريع دفعة واحدة دون اختيار تجربة معينة وقياس مدى نحاجها.

أربعة قادمة..,إشكاليات “صناديقية”

وفي معرض جوابه لاستبعاد المحاصل الأساسية والاستراتيجية أوضح حمزة أن الحكومة تتكفل بمحصولي القطن والقمح من خلال دعمه وتغطية أضراره عبر صندوق تعويض الجفاف وتسعيره منتجاته، وبما يتعلق بالثروة الحيوانية كالفروج لا تتوفر إحصائيات دقيقة كونه معظمهم ضمن القطاع الخاص سواء إحصائيات عددية أو بما يتعلق بحجم الأضرار الحاصلة فيه، لذلك تم التوجه للبيوت المحمية المزروعة  بالخضار حصراً – البالغ عددها الإجمالي  170 ألف بيت بلاستيكي منها 107 آلاف بيت نظامي- لعدة أسباب أهمها ارتفاع تكاليفه التأسيسة للمشروع، وخروج المزارعين من العملية الزراعية في حال تعرضهم لأي ضرر لاسيما في المناطق الساحلية كالكوارث الطبيعية، مما يضاعف الخسارة في الاقتصاد الوطني كونه إنتاج معد للتصدير، ونوه حمزة إلى إتمام دراسة أربعة محاصيل واعتماد أقساطها وكل ما يخص آلية تنفيذها ليصار إلى إطلاقها خلال الفترة القادمة منها محصول البطاطا، أما مشروع تأمين المواشي والأبقار بشكل خاص فيتم حالياً إعادة دراستها بشكل دقيق وذلك لوجود عدد من الصناديق في وزارة الزراعة واتحاد الفلاحين لكنهم غير مفعلين ولم يتم التسجيل ضمنهم، ودراسة أسباب عزوف المربين عن تلك الصناديق لطرح منتج تأميني جاذب يتجاوز إشكاليات الصناديق الموجودة سابقاً.

تضارب أراء..!

ودحض حمزة وجهة نظر الخبراء بأن التأمين غير كافي، مبيناً أن تكاليف البيت البلاستيكي التأسيسية لا تتجاوز ثلاثة ملايين ليرة يضاف لها تكاليف تشغيلية بقيمة مليوني ليرة فقط، وكل مؤمن يتعرض لضرر بشكل كامل يحصل على 100% من قيمة التأمين، ويبدو أن هناك اختلاف جذري بالنظرة للتأمين إذ بين مصدر في شركة تأمين خاصة أن التعويض جزئي ولا يعيد المستثمر إلى دائرة الإنتاج في حال تعرضه للضرر، لاسيما وأن التعويض المطروح يمثل نسبة (6 بالألف) بحسب القسط البالغ 35000 بسقف خمسة ملايين ليرة، وبالتالي هذا المنتج التأميني يلاءم السيارات على سبيل المثال أو تأمين حريق أي بأخطار فردية، أما في حال التأمين الزراعي فالأمر مختلف، ففي حال حدوث فيضان أو عواصف فالضرر سيطال نسبة كبيرة جداً من المؤمنين لاسيما في المنطقة الساحلية حيث تمتلك أكبر عدد من البيوت المحمية، وبالتالي سيكون الرصيد المعتمد غير كافي للتعويض لاسيما وأن المؤسسة العامة السورية للتأمين متكفلة بالمشروع ورأس مالها لا يتجاوز ثلاثة مليارات وليس لديها معيد تأمين تتقاسم الأخطار معه، متسائلاً هل سيتم التعويض بشكل كيفي أو جزئي، وهل له محددات خاصة لا تنطبق على جميع المتضررين، وفي حال عدم كفاية الرصيد المعتمد من سيتحمل العبء الناتج عن هذا المشروع ، وبين المصدر أن التأمين الزراعي يكتنفه صعوبات جمة لذلك لابد من دراستها بشكل دقيق لنحصد نجاحه في المستقبل،.

إشكالية في الآلية..!

ولفت المصدر أيضاً إلى إشكاليات في آلية التعويض، إن كان على حساب الكلفة أو السعر في السوق المحلية..؟ وساق مثالاً على ذلك في حال التعويض على الكلفة والفلاح يبيع محصوله بخسارة كمحصول الحمضيات على سبيل المثال سيكون من مصلحة المؤمن أن ينال التعويض كاملاً مقابل تلف محصوله، وإن تم التعويض على الأسعار والتكلفة أعلى، سيتجه المزارع لحماية مصالحه، كما نوه إلى أنه وفي حال احتساب سعر الكيلو الواحد الناتج عن البيت البلاستيكي بألف ليرة فقط سيتم التعويض لصالح خمسة طن فقط.

بحاجة للإطلاع

لاشك أن التجارب الجديدة تحتاج للدراسة الإطلاع على التجارب العالمية في التأمين الزراعي، ولاسيما تجربة مصر والسودان والاستفادة من تجاربهم ونتائجهم، وهنا يلفت العش إلى أن التامين الزراعي العالمي لم يشمل الكوارث الطبيعية لارتفاع قيمها المالية على خلاف ما تم إقراره محلياً، بل الأجدى التوجه إلى إحداث صناديق على غرار الصناديق المحدثة في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي كصندوق تعويض الجفاف أو الصقيع ودعمها، وتأطير عملها بما يتناسب مع الميزانية المعتمدة لها.

لا خبراء تقييم للخطر..!

كما أثار الخبير التأميني وائل الحسن إشكالية أخرى تتعلق بعدم وجود خبراء في شركات التأمين لتقييم حجم الضرر الحاصل في المحاصيل الزراعية والقطاع الزراعي عموماً ليصار إلى منح تعويض منطقي، وبالتالي سيتم التقييم عبر موظفي الوحدات الإرشادية أو من قبل موظفي الزراعة، الأمر الذي يخالف قوانين التأمين المعني بدراسة وتقييم الخطر ومنح التعويض المناسب، وفي حال اعتماد هذه التشاركية فستكون مهمة شركة التأمين المعنية هي المشاركة في التعويض المالي وليس التأمين الزراعي، واعتبر أن التأمين بصيغته الحالية تعتبر نوع من الجباية التي فرضتها الحكومة مؤخراً على كافة القطاعات إذ ربطت التأمين بالترخيص النظامي وبالتالي لابد من إتمام عملية الترخيص ليحصل المزارع على التأمين المرغوب فيه، واعتبرته تأمين إلزامي مقابل قسط وسقف محدد وبالتالي خرجت عن صيغ وعقود التأمين المعمول بها، لافتاً إلى أن شركات التأمين لن تجد الحافز في المشاركة ضمن التأمين المطروح وبالمقابل ستحصد المؤسسة العامة السورية للتأمين خسارة مؤكدة في حال التعويض لجائحة أو كارثة طبيعية.