ثقافةصحيفة البعث

“قبل وبعد”.. علي برهوم ونسيم الإبراهيم يرسمان حكايات وطن

“الحياة لا تتوقّف عند شيء”.. و”لا مستحيل مع الإرادة القويّة” و”الفاقد يعطي أكثر من غيره” وغيرها من العبارات التّشجيعية التي سمعناها ونسمعها دائماً ممّن يكبرنا عمراً وخبرةً في الحياة، ومجدداً ممّن يشتغلون في التّنمية البشرية، وكنّا مثل كثير من النّاس نقول إنّ لكلّ شخصٍ ظروفه الخاصّة وقدرته على التّحمّل، لكن في الحقيقة وخلال سنوات الحرب رأينا من هو أقوى، وهذه العبارات لا تفيهم حقّهم أبداً، لأنّهم يعطون دروساً في الإرادة والتّصميم والحبّ والشّغف، والأكثر أهمية من ذلك في العطاء، فهم الذين ضحّوا بأجسادهم في سبيل أن يحيا غيرهم وتابعوا حياتهم وانتصروا على الألم كما انتصروا على الإرهاب، نتحدّث عن البطلين علي برهوم ونسيم الإبراهيم اللذين وجدا في الرّسم واللون فسحة أمل وحبّ وشغف أخرى، لم تعيقهما إصابتهما أبداً عن ممارسة موهبتهما، فحرارة الألم تغلّب عليها علي برهوم بساعات رسم طويلة، وإصابة اليد اليمنى تغلّب عليها نسيم الإبراهيم باليسرى، وكان معرضهما الّذي أقامته مؤسسة “جريح وطن” بالتّعاون مع صالة أدونيا للفنون في المركز الثّقافي العربي بـ”أبو رمانة” تحت عنوان: “قبل وبعد” الذي يضمّ أربعاً وثلاثين لوحةً مختلفةَ المواضيع وتوضّح طريق رحلة بدأت طفولية وكبرت ونضجت.

يقول علي برهوم: كان لديّ شغف وحبّ للرّسم، وبدأت منذ خمس سنوات بالرّسم بقلم الرّصاص ومن ثمّ انتقلت إلى الألوان.. لا أرسم من خيالي دائماً فقد أستعين بصورة ما أو منظر ما وأضيف عليها وكلّ لوحة تأخذ منّي وقتاً مختلفاً، بعضها خمسة أيام وبعضها أكثر.. في مراحل سابقة كنت أرسم أكثر من اثنتي عشرة ساعة يومياً.

في لوحات برهوم حبّ لا يخفى للطّفولة والحياة والأمل، يقول: الطّفولة هي أعزّ وأغلى ما دافعنا عنه في معركتنا ضد الإرهاب.. من لا حبّ في قلبه لا يمكن أن يرسم قلماً ويرسم. ومثله نسيم الإبراهيم الذي بدأ بالرّسم منذ أيّام الدّراسة، هواية صارت مرتبطة بالوقت عندما صار في صفوف الجيش العربي السّوري يؤدّي واجبه الوطني أيضاً، يقول: صرتُ أرسم حسب الوقت، وبعد أن أصيبت يدي اليمنى في عام 2014 بدأت أدرّب يدي اليسرى، في البداية تعذّبت كثيراً وشعرت حينها أنّي أرسم لوحات ضعيفة لم أكن راضياً عنها، لكن كنت ألقى تشجيعاً عندما أعرضها على صفحتي على الـ”فيسبوك”، ومن ثمّ صرت أشعر أنّ الرّسم باليسرى خطوة جيّدة، وبعد أن كان رسمي طفولياً مبتدئاً انتقلت إلى الألوان.

يرسم الإبراهيم بواقعية جميلة مواضيع تتنوّع بين كبار السّن والحبّ والمرأة والفرح، يوضّح: الكبار بالعمر هم الأساس وهم مرآة للحياة، البعض لا يعطي أهمية للرّسم الواقعي، مع العلم أنّه من أصعب الاتّجاهات، مضيفاً: الرّسم بالرّصاص والفحم يبيّن التّفاصيل والتّجاعيد وجمالياتها، أمّا المرأة فهي مثل الآلة الموسيقية إن كان العازف جيّداً ويعرف كيف يتعامل معها تعطيه لحناً جميلاً.

الفنان التّشكيلي عدنان إبراهيم رافق الجريحين علي ونسيم منذ سنتين ودرّبهما على استخدام الألوان، يقول: لقد قدّما الكثير لنا جميعاً، أمّا أنا فقدّمت شيئاً بسيطاً لم أكن لأقدّمه لولا موهبتهما وإرادتهما، فلا أحد يستطيع أن يصنع فنّاناً، قد أفيدهما ببعض الخبرات وتقليص الفترة الزّمنية لصقل الموهبة.. لقد انتصرا على جراحيهما خلال سنتين وصولاً إلى نتيجة مرضية جدّاً.

وخلال جولتها واطّلاعها على اللوحات وحديثها مع الجريحين، قالت وزيرة الثّقافة الدّكتورة لبانة مشوّح: أنتما أديتما واجبكما الوطني، واليوم تؤديان واجبكما ببثّ الأمل في النّفوس، لا يجوز أن نيأس أبداً، مضيفةً: تحدّثنا اليوم مع مؤسّسة جريح وطن حول إمكانية توقيع مذكّرة تفاهم يندرج ضمنها ما يخطر ببال أي طرف من أوجه التّعاون، وهذا أمرٌ لا بدّ منه ومن مهام الوزارة احتضان الإبداع، فما بالنا إبداع جرحى الوطن سبب بقائه وعنفوانه.. أعد بأن تقوم الوزارة ممثلةً بمديرية الفنون الجميلة المركزية بتقديم كلّ الدّعم لهذا المشروع ولغيره، فهناك جرحى جيش يهوون الموسيقا أيضاً من حقّهم أن يطوروا هذا العشق وهذه المهارة.. على الجميع أن يدعم جرحى الوطن ويتكاتف ويتضامن معهم، هم ليسوا بحاجتنا فالإنسان الذي يضحّي بجسده لا يحتاج أحداً، لكن تمكينهم ضرورة، ومن حقّهم أن يكون دعامةً في حياتهم كما كانوا في الجيش العربي السّوري أيضاً.

بدوره، أكّد وسيم عبد الحميد مدير مديرية الفنون الجميلة أهميّةَ هذا المعرض على الصّعيد الوطني، يقول: هناك موهبة مميزة جدّاً، وقد أحببت الواقعيّة في اللوحات، لكن ينقصها بعض التّكنيك والجهوزية، سنتعاون ونقدّم كلّ ما يمكننا تقديمه من خلال المراكز التّربوية والتّأهيلية الموجودة في المحافظات، سنقدّم الرّعاية لهاتين الموهبتين وغيرهما سواء بدعوتهما للمشاركة في المعارض السّنوية واقتناء اللوحات أو التّسويق لها، والوزارة ترعى هكذا نشاطات ونعدّها من أولويات المديرية.

نجوى صليبه