صحيفة البعثمحليات

تفعيل ثقافة المسؤولية

بشير فرزان

بالأمس صدر قرار رفع سعر لتر البنزين بهدف التقليل من الخسائر الهائلة في موازنة النفط، وضماناً لعدم انقطاع المادة أو قلة توافرها كما قيل، دون أي اعتبار لخسائر المواطن من هذا القرار، سواء من يملك سيارة أو من لا يملك، وحتى الموظف المكلف بمهمة ويحتاج إلى سيارة، حيث سيكون القرار فرصة لاقتناص حصته وتحويلها إلى السيارات الأخرى الموزعة على المقربين، بغضّ النظر عمن يعمل ومن لا يعمل، وبالتالي انعكاسات القرار ستطال الجميع تحت عنوان سعر التكلفة، بينما تكاليف الحياة المعيشية للمواطن لا تُحتسب بهذا المعيار، وعليه أن يدفع ضريبة الخلل في عمل الإدارات والرفاهية التي يعيشها المدراء وأقاربهم، وعليه أيضا أن يتحمّل وحده إجراءات الحصار وتداعياته!!.

ما حدث ويحدث في قطاع النفط يؤكد أن ما تعيشه المؤسّسات العامة بكل مسمياتها من تراجع مستمر في الأداء والارتفاع المخيف في نسب هدر المال العام، يخفي الكثير من التساؤلات الباحثة عن الجهة الأكثر تنفعاً من هذا الواقع الذي يساهم في تعميم ثقافة الفوضى والإحباط وعدم الانضباط، سواء داخل الجسم الوظيفي أو في الشارع الذي بات يفقد ثقته بالعمل المؤسّساتي المتهم بكل تفاصيله بالخلل والتقصير، وعدم القدرة على تحقيق أي تقدم على جبهة الإصلاح، نظراً لسيطرة الفكر النفعي على كافة مفاصل العمل التي تستخدم الصلاحيات والإمكانيات والموارد المؤسّساتية من أجل تحقيق مصالح خاصة فقط، وهنا يمكن التأكيد أن المنتفع من ذلك هم القلة من الذين يستثمرون مواقعهم لاستباحة المال العام.

ولاشك أن هناك الكثير من القضايا التي تستدعي قراراً جريئاً فيما يخصّ المال العام الذي يُنهبُ بطريقة ذكية جداً، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك مثل فواتير الترميم والصيانة واستبدال فرش المكاتب أو مخصّصات البنزين لعشرات السيارات المخصّصة للمقربين فقط و.. و.. ولذلك الرسالة الواضحة للمسؤولين بمختلف مواقعهم مفادها بأن ثقافة المسؤولية يجب أن تقوم على إدراك المسؤول أن موقعه أو منصبه ليس للتشريف، وإنما هو تكليف لخدمة المواطن والعمل، كما تستلزم هذه الثقافة ضرورة إدراك المواطن أن المسؤول في خدمته، ولكن ضمن شروط موضوعية هي القوانين والأنظمة النافذة، ولاسيما أنه بات من المعروف أن نجاح أي مؤسّسة أو إدارة في تحقيق أهدافها وبلوغ المستوى المطلوب من التطور والازدهار في أدائها مرتبط إلى حدّ كبير بالقيادة الإدارية التي تشرف عليها، ذلك لأن هذه القيادة تعتبر بمثابة الأداة المهمّة والضرورية التي يتمّ بواسطتها تعبئة وتنسيق جهود وإمكانات المؤسّسة المادية والبشرية للوصول بها إلى تأدية مهامها بالشكل الأمثل.

إن تعميم «ثقافة» الإحباط والفوضى وعدم الانضباط قد ينتهي إلى تبرير الكثير من التجاوزات والمخالفات، ومن الضروري اليوم العمل على تعزيز وتفعيل ثقافة المسؤولية التي تكتسب أهمية إضافية، وباتت حاجة ملحة في سياق البناء على ما تحقق من صمود وانتصار على امتداد مساحة الوطن، من خلال الحفاظ على نقاط القوة في أي إنجاز وتعزيزها وتقويتها، والاستفادة من الدروس أيضاً في تجاوز نقاط الضعف إن وجدت. وهنا لا بدّ من وقفة مطولة مع تصرفات الكثير من مديري المؤسّسات والشركات الذين يتغطون بالمصلحة العامة لتنفيذ أجندات خاصة بهم تبحث عن الثروة والثراء في خزائن المال العام، والأمثلة على ذلك كثيرة، ويكفي إحياء سؤال “من أين لك هذا؟” لتأمين عودة المليارات المختبئة في تلك المكاتب الفارهة، وهذا يشكل أحد أهم الموارد الداعمة للخزينة العامة والتي يمكن أن تسهم في ردم الفجوة بين الدخل الوظيفي البسيط  والإنفاق المعيشي المتصاعد، ولذلك نؤكد أهمية وضرورة تطبيق معيار مسؤول حسب التكلفة.